بخصوص أسطورة العيش الهانئ فى هذا العالَم - العالم يفكر - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 8:45 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بخصوص أسطورة العيش الهانئ فى هذا العالَم

نشر فى : السبت 14 سبتمبر 2024 - 9:10 م | آخر تحديث : السبت 14 سبتمبر 2024 - 9:10 م

كان صوت الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسى إدغار موران فى كتابه Changeons de voie، والذى يُمكن اعتباره بيانا للعيش الهانئ فى هذا العالم الذى ازداد منسوب توحشه، بمثابة خريطة طريق مُفترضة لعالم آخر لا بد إذا ما اتبعت خطوطها، من الانتقال بالعالم من حالة التوحش التى بلغها إلى حالة الأخوة الإنسانية والسلام والعدل. وإذ أُلحق عنوان كتاب موران هذا بآخر فرعى له هو: «دروس من فيروس كورونا»، فذلك توقا إلى استخلاص العبر وإنقاذ البشرية قبل فوات الأوان.

 

فى كتابه المذكور يتساءل موران: «هل سنتمكن من تنظيم الاقتصاد العالمى، والحد من قوة الرأسمالية المفرطة، وإصلاح الأنظمة المصرفية، والسيطرة على المضاربة فى الأسهم، ومنع التهرب الضريبى؟ هل سنجد مبادئ اقتصاد يقوم على صفقة جديدة من الانتعاش البيئى والإصلاح الاجتماعى من شأنها أن تفضى إلى تراجع الرأسمالية المفرطة والحد من عدم المساواة؟».

الجواب نقرأه فى الأزمات السياسية والاقتصادية التى تلت انحسار جائحة كورونا والتى يشهد العالم بأسره فصولها، والتى جاءت كاستكمال للأزمات التى سبقت زمن كورونا بأشواط، والتى لخص برتران بادى أسبابها بعنوان واحد هو «الهيمنة»؛ أى إخضاع العالم للهيمنة بطريقة أشد ضراوة، ومن خلال أساليب تتسم بالطابع «العلمى» على حد تعبيره؛ حيث كان يتم «تطهير»، وربما بشكل نهائى، «العالم الثالث» من أية توجهات تعود إلى النهج الدولانى والاشتراكى والتى تُذكر بعدوى النموذج السوفياتى [و] الإعداد لنظامٍ عالمى جديد يسود فيه اقتصاد السوق، وبالتالى يعيش تحولا قويا فى اتجاه نموذج الديمقراطيات الغربية.

فرحنا نشهد ارتفاعا كبيرا فى الواردات فى دولة الإكوادور، وإفقارا لصغار المُزارعين فى غانا، وأزمات الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتفاقما للبطالة، وتدهورا فى الخدمات العامة الأساسية فى البلدان التى ينعدم فيها الأمن البشرى المتزامن مع انتهاء الدعم للضروريات الأساسية، وتراجعا فى القوة الشرائية... إلخ؛ وهى كلها مظاهر أو نواتج للهيمنة العالمية التى ووجهت أدواتها (مثل منظمة التجارة العالمية، والبنك الدولى، وصندوق النقد الدولى، ومجموعة الدول الصناعية السبع...) باحتجاجات اجتماعية وعالمية وعبر وطنية: احتجاجات فنزويلا فى فبراير 1989، فى مواجهة خطة التكيف الهيكلى، واحتجاجات فى تونس فى ديسمبر 1983… إلخ.

• • •

«علماوية» البرامج النيوليبرالية والسياسات المالية والنقدية للاقتصادات المتقدمة التى اتبعها صندوق النقد الدولى والبنك الدولى وغيرهما من المؤسسات الدولية فى مساعدة البلدان على النهوض من عثراتها الاقتصادية، سرعان ما كانت تظهر تمثيلها للمصالح الدولية الكبرى، وتنم عن فشل وصفاتها؛ إذ أفضت هذه السياسات المتمثلة فى تقديم برامج قروض ومساعدات ومراجعات استشارية تقييمية إلى حالات تعثر اقتصادى للبلدان التى لجأت إليها. فالملاحظ مثلا أن الدول الأكثر استدانة من صندوق النقد الدولى على مستوى العالم هى نفسها من أكثر الدول التى تعانى من أزمات اجتماعية وسياسية، من دون أن يعنى ذلك عدم معاناة دول عربية وأجنبية عديدة أخرى من هذه الأزمات، وأبرزها لبنان مثلا، وإن كانت غير مدرجة ضمن تلك القائمة.

بالتالى، من منا لم يعاين تظاهرات مئات الآلاف من الأرجنتينيين فى بوينس آيرس وغيرها من المدن فى الأرجنتين التى جرت فى إبريل 2024، احتجاجا على السياسات التقشفية للرئيس خافيير مايلى ودفاعا عن مجانية التعليم العام؟ أو «ثورة الحرية والكرامة» فى أوكرانيا أو احتجاجات «يورو ميدان» (نسبة إلى ميدان الاستقلال فى وسط العاصمة كييف) التى اندلعت فى يناير 2013 واستمرت حتى أواسط 2014، قبل أن نشهد الهجوم الروسى عليها فى 24 فبراير 2022 والذى لم تنتهِ فصوله بعد؟

 

لعل من بين أكثر المشاهد تعبيرا عن ارتباط الفساد السياسى بالطبقات الحاكمة من جهة، وبالفقر واللامساواة من جهة ثانية، ناهيكم بارتباط ذلك كله بالرأسمالية العالمية فى غالبية دول العالم الثالث، لعله مشهد يعود إلى شهر يوليو من العام 2022، والذى شاهدنا فيه مواطنين يتجولون فى قصر رئيس سريلانكا «غوتابايا راجاباكسا» ويسبحون فى مسبحه، فيما يفرغ آخرون أدراج خزانة من محتوياتها مستولين على مقتنيات خاصة بالرئيس ومستخدمين حمامه الفاخر.. كتعبير عن الحالة البائسة للسكان والفوارق الطبقية الهائلة بينهم وبين الطبقة الحاكمة.

 

ولما كان البنك الدولى قد حذر فى مارس من العام 2023 من أن «معدلات النمو الآجل للاقتصاد العالمى ستنخفض حتى 2030 إلى أدنى مستوياتها فى 30 عاما، ما سيؤدى إلى ظهور «حلقة مفقودة» فى التنمية الإنتاجية»، ولما كان قد توقع أن ينخفض متوسط نمو الناتج المحلى الإجمالى العالمى المحتمل بين الأعوام 2022 و2030 بنحو الثلث عن المعدل الذى كان سائدا فى العقد الأول من هذا القرن إلى 2.2% سنويا، وبأن الانخفاض بالنسبة إلى الاقتصادات الناشئة سيكون حادا بالقدر نفسه من 6% سنويا بين عامى 2000 و2010 إلى 4% سنويا خلال الفترة المتبقية من هذا العقد، لا بد لنا من أن نتوقع مزيدا من الخراب لبلداننا، ومزيدا من الجشع النيوليبرالى، للتعويض عن خسارات الاقتصاد العالمى، وذلك بعكس ما طمح إليه كل مَن راهنَ على استخلاص العِبر من أزمة كورونا لمصلحة الإنسانيّة جمعاء. ولعلّ ما يجرى فى غزّة الآن منذ حوالى 10 أشهر، غزّة العائمة على مخزون غازٍ طبيعى يمتدّ إلى شواطئ لبنان وسوريا، لهو خير دليل على ما نذهب إليه.

 

رفيف رضا صيداوى

مؤسسة الفكر العربى

النص الأصلى:

 

التعليقات