الصحفى التركى أمبرين زمان قال لمجلة «ذا ويك» البريطانية قبل ايام إن الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، وحزب العدالة والتنمية الحاكم يرى أن سقوط مدينة عين العرب «كوبانى» الكردية السورية فى يد مسلحى تنظيم داعش هو «فرصة مواتية وليس تهديدا».
لا يعنى ذلك بطبيعة الحال ان هناك زواجا كاثوليكيا بين أنقرة وداعش، كما يروج بعض الاعلام المصرى بسذاجة منقطعة النظير،ويحاول اختزال الأمر فى عناوين سطحية.
«العدالة والتنمية» يروج لنفسه أنه نموذج للإسلام المعتدل الذى نجح فى المزاوجة بين الديمقراطية الغربية والإسلام، وبالتالى فإن نجاح واستمرار نموذج داعش الدموى سيصيب النموذج الأردوغانى فى الصميم، لكن ربما هناك تلاقى مصالح مؤقت بين أنقرة وداعش.
مفهوم تهليل الاعلام المصرى لتورط الشرطة التركية فى قتل اكثر من ثلاثين متظاهرا كرديا فى ديار بكر بمنطق ان ذلك قد يوقف الوعظ الأردوغانى فى قتل المتظاهرين، لكن لم نسأل كثيرا عن سر هذه الوحشية فى التعامل مع متظاهرين يفترض أنهم سلميون؟.
رغم الخلاف الجذرى بين «العدالة والتنمية» الاسلامى وبقية الأحزاب العلمانية، فلا توجد فروق جوهرية بينهم فيما يتعلق بالتعامل مع أكراد تركيا ورفض رغبتهم القديمة المتجددة فى الانفصال. رغم ان أردوغان وحزبه حاولا ويحاولان إحداث مصالحة تاريخية مع الأكراد، يقول مراقبون ان الأحداث الأخيرة وجهت إليها ضربة شديدة.
أكراد تركيا يريدون من حكومتهم أن تخوض قتالا بريا ضد داعش أو على الأقل تسمح لهم بالعبور لمساعدة بنى قومهم فى كوبانى. وأنقرة ترى أن القتال الدامى بين عدوين لدودين لها هما الأكراد وداعش سيصب فى النهاية فى مصلحتها لأنه سيؤدى إلى إنهاك الطرفين، بل إن سقوط عين العرب سيوجه ضربة شديدة لحزب العمال الكردستانى الذى يقوده عبدالله أوجلان المسجون فى تركيا. ولن تكون انقرة مسرورة إذا انتصر الأكراد لأنه قد يقود إلى تواصل كردى كردى على جانبى الحدود وربما مع أكراد العراق من دون وجود أية سلطة وطنية أخرى فاصلة، وبالتالى ترتفع أحلام الأكراد فى دولة كردستان الكبرى. ولهذا السبب تحديدا تلح تركيا على مطلب المنطقة العازلة وتؤيدها امريكا لفظيا، لكن روسيا قد تعرقل الأمر فى مجلس الأمن.
تريد تركيا من التحالف الاتفاق مبدئيا على ضرورة اسقاط الأسد ويشاركها الرغبة المحمومة نفسها قطر، وتتمنى الدولتان أن يكون الوريث المنتظر هو تحالف المعارضة الذى يلعب فيه الإخوان دورا محوريا.
إذن سر التردد التركى فى محاربة داعش إنها تفضل الانتظار حتى ينهك الاكراد وداعش بعضهم البعض، وحتى يوافق المجتمع الدولى على تبنى الرؤية التركية بشأن اليوم التالى لإسقاط داعش ثم الأسد.
أى أن الأمر ببساطة هو أن انقرة تبحث عن صيغة تنتهى بتنصيبها زعيمة للمنطقة، لكن مشكلتها ان هذه بالضبط هى رغبة قوى أخرى فى المنطقة، خصوصا إيران التى تحرص على حماية نظام الأسد بكل الطرق.
ويخشى كثيرون أنه إذا استمر هذا التجاذب السياسى الذى يرتدى مسوحا مذهبية، فإن شبح الحرب العثمانية الصفوية يلوح فى الأفق. حينما تصارع البلدان فى صراع استمر من عام ١٥٣٢ إلى عام ١٥٥٥ وانتهى بانتصار تركيا، وبدء تحول ايران من المذهب السنى إلى الشيعى.
البلدان وقتها كانا يتصارعان على العراق أو بلاد ما بين النهرين، وكذلك اجزاء من القوقاز وهو الأمر المستمر حتى الآن.
الصراع فى جوهره حول المصالح القومية لكل طرف، اما الدين فهو لافتة براقة لجذب وتجنيد الاتباع، يصدقها البسطاء والمخدوعون، ويدفعون ثمنها أيضا.