منذ عدة أشهر، ظهر الشيخان الوقوران: الحبيب على الجفرى، وأسامة الأزهرى فى حلقة متميزة مع مجموعة من شعراء العامية المصرية، فى برنامج الصديق خيرى رمضان على سى بى سى. مع كلمات الشباب فى هذه الحلقة تفجرت الينابيع العذوب من كلمات كل من شارك فيها. كنت قد التقيت مع بعض هؤلاء الشعراء أنفسهم فى برنامج قدمته على الفضائية المصرية قبلها بأيام معدودة، ولكن استمتاعى بهم فى حلقة خيرى كان أكثر وأعمق فسارعت بإرسال التحية لهما ولكل من قرأ أو سمع فى هذه الأمسية الفريدة بيتا من الشعر عبر صاحب البرنامج.
حماسى للحلقة كان لحلاوة الشعر، بقدر ما كان لنموذج رجل الدين الذى يعيش فى وئام مع قيم الإنسانية الراسخة من حب للفن والأدب والجمال.
إلا أننى لم أتحمس بنفس الدرجة للحلقة التى ظهر فيها الشيخان مع خيرى منذ أكثر من أسبوع لتفنيد «دعاوى» قال بها أصحاب رأى، كنت من بينهم، رأوا أن الفتاوى الداعشية التى بررت إحراق الأسير الأردنى معاذ الكساسبة، تستند إلى تراث ملتبس يحفل بالشىء وضده ويعتمد على مجموعة من الحكايات المروية بعد قرون من حدوثها، لتبرير أى شىء وكل شىء. الحرام يصبح حلالا بحكاية والعكس مقبول أيضا. والحكايات لا أكثر منها.
انزعجت مما جاء فى هذه الحلقة، لأنها كانت استمرارا لنفس الرسالة الخالدة من بعض رجال الدين، الداعية إلى الترفق فى إعمال العقل، والاعتماد على أصحاب الفتاوى دون تفكير، بدلا من انتهاز الفرصة لإيقاظ الناس من كسل عقلى دام قرونا من الزمان.
لم يعجبنى ما رد به الشيخان على إبراهيم عيسى باستسهال نقض رواية نقلها عن الطبرى، نسبت فعل الحرق إلى الصحابى الجليل أبى بكر رضوان الله عليه. فالرواية لم ترد عند الطبرى وحده، وفتوى إجازة «تحريق» الأعداء استندت إلى آراء أو أفعال آخرين من الصحابة والتابعين، مثل على بن إبى طالب كرم الله وجهه، وخالد بن الوليد.
دعم الشيخ أسامة تصوره بقراءة شىء من اعتذار كتبه الطبرى فى مقدمة الكتاب الذى وردت فيه رواية قيام أبى بكر بالتحريق. ولم أفهم، بالمنطق والعقل، كيف يستند الشيخ إلى اعتذار عام عن النقص والزلل، فى نقض رواية بعينها وردت داخل متن الكتاب، إلا إذا كان يقصد أن الطبرى لم يكن يريدنا أن نأخذ أيا مما جاء فى كتابه محمل الجد.
شيوخ الوسطية يروجون، عن غير قصد، لنفس منهج التكفيريين، وهو الاعتماد على المرويات المنقولة وإلغاء العقل، حتى لو كان قصدهم هو الوصول إلى نتائج مغايرة.
يحسن الشيخان صنعا لو قاما بدعوة غيرهم من الشيوخ إلى حلق اللحى، والتخلى عن مستلزمات الصنعة من عمائم وقفاطين لم يعرف عن النبى أو الصحابة أنهم كانوا يلبسونها. يحسنان صنعا لو تحدثا مع الناس بلسانهم ولغتهم وليس بالفصحى.
ويحسنان صنعا لو نشرا الدعوة إلى إعمال العقل، وطالبا بعتقه من ثنائية الحلال والحرام، ومن الاستلاب الأبدى لأفعال بشر فنوا منذ أربعة عشر قرنا.
لو فعلا هذا سأكون أول السائرين على خطى الحبيب على الجفرى ورفيق دربه الشيخ أسامة الأزهرى