أمران أحلاهما مر: كان هذا هو الخيار الصعب الذى عبرت عنه الممثلة البريطانية التى لم تتجاوز الخامسة والعشرين من عمرها حينما داهمها نوع من أنواع سرطان البنكرياس الشرس فلم يبق لها إلا احتمال ضئيل فى أن تتجاوز ثلاثة أشهر هى كل رصيدها من الأيام من وقت اكتشاف المرض.
ذات صباح من الشهر الماضى فوجئ ركاب الأتوبيسات العامة ومترو الأنفاق فى لندن بإعلان ضخم يتكرر فى كل مكان. صورة للممثلة الإنجليزية الشابة حليقة الرأس وقد بدت فيها نتوءات تشى بأن المرض الخبيث قد انتهك جسدها بالكامل فلا جدوى من أى أنواع العلاج. كانت ملامحها التى شكلها الألم تنطق بعمق عن مدى ما تعانيه من جزع ومرارة وهى تنتظر قدرها المحتوم فى أيامها الأخيرة.
الصورة كانت جزءا من حملة إعلامية تهدف إلى التوعية بخطورة سرطان البنكرياس وتدعو للمبادرة لاكتشافه مبكرا حال أنه لا يكتشف إلا متأخرا دئما حيث يبدأ نشاطه ولا يعلن عنه إلا حينما يتمكن من خلايا البنكرياس ويبدأ فى مهاجمة الأعضاء المجاورة له.
إلى جانب الصورة تصريح لكيرى هارفى تقول فيه «تمنيت لو أننى قد أصبت بسرطان الثدى» فى إشارة إلى أنها كانت تفضل الإصابة بنوع أقل خطورة من سرطان البنكرياس، معه يمكنها أن تعيش لفترة أطول.
الصورة المؤلمة وإن ابكت من رآها إلا أنها استفزت إلى حد بعيد جمعيات مساندة سرطان الثدى الذين رأوا فيها استهانة بسرطان الثدى ومشاعر مريضاته ومنه أيضا أنواع شرسة لا تستثنى مريضاته من انحسار أى أمل فى شفاء كامل. تصاعد الغضب حتى أنهم أطلقوا حملة على شبكات التواصل الاجتماعى يتمنون فيها موتا محتوما سريعا!
لم تأبه كيرى لتلك الحملة الشرسة على الإعلان فكان تعليقها «لا يهمنى إطلاقا تلك التعليقات لكنى مهتمة بالنتيجة: أما الجمعية التى تعمل للتوعية بسرطان البنكرياس «Panceratic Cancer Action» ورئيستها إحدى الناجيات من سرطان البنكرياس فقد علقت بقولها: «أعرف أن الإعلان صادم لكن سرطان البنكرياس مرض بالفعل غادر خبيث لا تظهر له أى أعراض إلا بعد ان يتمكن من فريسته».
قصة الإعلان وتداعياتها فى لندن أعادت إلى ذهنى صورا أخرى مؤلمة صادمة يلجأ إليها أصحاب «بيزنس الخير» فى شهر رمضان فتبدو كحملات تعذيب جماعية يباغت بها من يسعى لرضا ربه فى ذلك الشهر الكريم تقربا إليه بالإنفاق فى سبيله. اللهم احمنا بمن يخلطون الإعلام بالإعلان مروجين لكلمة حق يراد بها باطل.