بين الأصالة والتهييس - غادة عبد العال - بوابة الشروق
الخميس 19 ديسمبر 2024 12:17 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بين الأصالة والتهييس

نشر فى : الأربعاء 15 يوليه 2009 - 8:26 م | آخر تحديث : الأربعاء 15 يوليه 2009 - 8:26 م

 فى بيتنا الكريم أزمة لغوية كبيرة وخناقة فكرية دائمة أطرافها معسكران؛ معسكر الأصالة بقيادة بابا ومعسكر التهييس بقيادة أخويا الصغير. والمعسكران بينهما حرب باردة مستمرة من عشرات السنين، يعنى تقريبا من أول أخويا بدأ يتكلم لأن من يوميها ولغاية دلوقت بابا مش فاهم هو بيقول إيه.. لكنه دايما كان بيحاول يمد جسور التفاهم وينط الفجوة اللى بين الأجيال.. فوالدى العزيز عنده مفكرة صغيرة زرقاء بيحوم بها حوالين أخويا طول النهار والليل.. ليسجل كل كلمة يقولها لعل وعسى تحصل المعجزة فى يوم من الأيام ويفهم من كلامه كلمة أو كلمتين..

وعلى مدار سنوات كان السيد الوالد يدون بصبر «شمبليون» كل مصطلح جديد، وهكذا استطاع بجهد جهيد أن يفهم لماذا (نفض) أخويا لصديقه علاء بينما (حلق) لمصطفى ولماذا يخرج (للتهييس) مع محمود بينما يكون (الترويق) هو هدفه حين يخرج مع عمر.. حمد الله وشكر فضله لما فهم أهمية أن ابنه الوحيد (مابيحرقش صدره ومالوش فى الزغاريف) وسجد لله شكرا حين تأكد أنه بيستحرم (تظبيط الأوكش) أصبح يفهم كلمات مثل (إستمورنينج) وو (بيس يا مان) وكنت أنا المترجم الفورى اللى بيحتاجه أحيانا لما يعييه البحث عن معانى (تسطيب) و(تهنيج) و(لوووول) و(شيفت ديليت)..

ولما فى يوم ناقشت بابا فى إن أيامه برضه كان ليهم مصطلحات غير مفهومة الموضوع مش حكر على جيلنا إحنا وكلنا فى الهوا سوا.. هاج السيد الوالد وماج واحمر وجهه من الانفعال وهو يحدثنى عن أيام الأصالة والرقى ومصطلحاتها العذبة الراقية.. فلا يمكن أبدا مقارنة (كبر) التافهة بـ(صهين) العريقة.. ولا (إحلقله) الحقيرة بـ (زحلقه) السامية.. هل يمكن لأى إنسان ذى ضمير أن يقارن (أوكشة) بـ(مزة)؟..

وهل هناك من له قلب حتى يشعر بأصالة (بلفه) مقارنة بسوقية (ثبته) ،.. جيله جيل (اللحلوح) و(الأستك) و(الأرنب) و(طريقك أخضر) و(احنا اللى دهنا الهوا دوكو).. الجيل الذى كانت أشهر أغانيه هدفها الرئيسى صلة الرحم وتوثيق أواصر المحبة بين أفراد العائلة حين كان يصدح عدوية ليل ونهار (إدى الواد لابوه.. إدى الواد لابوه) كيف يمكن مقارنة جيله صاحب أحلى الكلمات.. الجيل اللى كان شعاره «مش أى أى ولا زى زى ولا كل من ركب الحصان خيال ولا كل قط يتقال له يا مشمش» بهذا الجيل البائس الفاشل ذى المصطلحات التى ليس لها معنى ولا طعم؟..

و بصراحة شديده.. بابا عنده حق.. وجيله فعلا كان جيل عظيم ومن حقه إنه ما يرضاش عن مصطلحاتنا وتصرفاتنا غير المفهومة أحيانا ولكن كمان الجيل اللى قبل جيل بابا كان عظيما وبرضه مارس حقه فى رفض جيل بابا بمصطلحاته وتصرفاته وكذلك الجيل اللى قبله واللى قبله ومش هنخلص أبدا من الموضوع ده.. ألفاظ كل جيل فى مرحلة الشباب يمكن تكون سخيفة شوية.. سوقية حبتين.. غريبة 3 حبات.. لكنها بتعبر عن رغبة فى التميز أو التفرد أو التمرد بتسود كل واحد فينا فى مرحلة معينة من حياته..

مش معناها إنه إنسان غريب أو تافه أو فاشل أو قلته أحسن.. لكن معناها يمكن يكون إنه محتاج تشجيع من الآخرين فى مرحلة بيبحث فيها عن نفسه ويتلمس بداية طريق مستقبله.. محتاج صبر وتأنى.. محتاج تفاهم واحتواء.. محتاج ناس تمد إيديها وتقربه منها وتديله من خبرتها.. و بالتأكيد محتاج إن كل واحد من المحيطين بيه يكون عنده مفكرة زرقا صغيرة زى اللى عند بابايا ورغبة إنه يقرب منه ويساعده ويفهمه وساعتها هتختفى مظاهر القفش الفكرى والحلق المعنوى والقفلة النفسية المستمرة بين الأجيال وهتكون العلاقة بين كل جيل فى سن التهييس والجيل الذى يسبقه رافعا راية الأصالة، علاقة قشطة آخر حاجة ومشاعرهم تجاه بعضهم البعض بالتأكيد هتكون زبادى فى الخلاط.

التعليقات