مشروع وطنى اجتماعى أم سياسى إسلامى؟ - محمد عبدالشفيع عيسى - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 3:29 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مشروع وطنى اجتماعى أم سياسى إسلامى؟

نشر فى : الأحد 15 سبتمبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 15 سبتمبر 2013 - 8:00 ص

يبدو من وجهة نظرنا أن الظروف المصرية بعد الثلاثين من يونيو 2013 ربما أصحبت مهيأة ــ جزئيا ونسبيا فيما يبدو ــ لتخلّق مشروع جديد للمستقبل، هو ما يمكن أن نسميه «المشروع الوطنى ــ الاجتماعى» أو «المشروع الوطنى ــ القومى التقدمى». ذلك أنه، ولأول مرة منذ فترة طويلة، تتوافر فرصة لوجود «حامل المشروع» وهو فى حالتنا هذه: القوات المسلحة أو «الجيش»، باختصار. ولا غرو فى ذلك، فمصر لم تسمح ظروفها طوال القرنين الأخيرين بتكوين مؤسسات قادرة على حمل مشروعات مستقبلية كبرى، سوى المؤسسة العسكرية بدرجة معينة. وبينما لا تصلح المؤسسة البيروقراطية العريقة لحمل المشروع بطبيعتها وطبيعته، فإنه لم تتهيّأ الظروف الموضوعية والذاتية لتخلّق مؤسسات سياسية خارج الحكم، مؤسسات حزبية حقيقية، ذات ارتباط عضوى بالغالبية الاجتماعية الساحقة. كما لم تتكون مؤسسات للمجتمع المدنى قادرة على ملء الفراغ المجتمعى الخطير.

وفى الفترة الأخيرة قيّضت لنا الأقدار فرصة لعلها فرصة «تاريخية» حقا، وهى اصطفاف الجيش إلى جوار غالبية المجتمع فى مشهد يبدو فريدا، فهل تحدث المعجزة وتنشأ «ناصرية معدلة» تعيد بمعنى معين تَمَثُّل روح الوطنية المصرية والقومية العربية، والالتزام الاجتماعى التنموى، والاستقلالية النسبية تجاه القوى المؤثرة فى هيكلية النظام العالمى؟

 ذلكم هو سؤال الوقت حقا.

●●●

والحق أن العمل من أجل إعادة إنتاج المشروع الوطنى التقدمى، أو «المشروع الناصرى المعدل»، كمشروع شعبى مستقبلى، لا يمثل ما كنا نرتجيه لمستقبلنا الزاهر، ذلك أن عودة الجيش لحمل مشروع التنمية الوطنى أمر محفوف بالمخاطر المحدقة، مما ظهر بالفعل فى فترة الناصرية الأولى خلال الخمسينيات والنصف الأول من الستينيات. وأبرز هذه المخاطر أمران:

دوران الجيش فى شبه حلقة مفرغة من الحياة السياسية ذات الجدوى، إلا من منظمة سياسية عريضة كانت تجسد ثنائية الزعيم والشعب، دون «وسيط للتفاعل» قادر على (صنع المستحيل).

إفلات الجيش من دائرة الرقابة الشعبية الحقيقية ضمن مجتمع سياسى ومدنى حر، مما أفرز قيادة عسكرية غير احترافية، قادت البلاد إلى هزيمة عسكرية، لولا أن قيّض الله للبلاد زعيمها الذى رد الاعتبار وأزال الشطر الأكبر من آثار العدوان فى نحو سنتين حتى وافاه الأجل المحتوم فى 28 سبتمبر 1970. وقد تمكنت مصر من بعده أن (تكمل المشوار) وتخوض حربها المجيدة إلى جانب سوريا ــ فى أكتوبر ــ1973 وتحقق الانتصار (ولو لم يكن ساحقا ماحقا على كل حال).

ولذلك كله، فإن إعادة إنتاج «المشروع الوطنى ــ الشعبى» إنما يقتضى استعادة روح الناصرية دون السماح باستعادة نظام حكمها، وخاصة فى غياب محركها الأساسى وهو القائد الاستثنائى الكارزماتى الذى رحل.

●●●

من هنا، يبدو أن قدرة الجيش المصرى على حمل المشروع الوطنى ــ الشعبى فى المرحلة التاريخية القادمة مرهونة بشرطين هما: توفر تعددية حزبية حقيقية تسمح بتخلق حياة سياسية ذات طابع حركى عميق خارج مؤسسات الحكم التقليدية، ثم وضع منظومة فعالة للرقابة الدستورية الشعبية على مؤسسة القوات المسلحة، بما يحول دون عودة «الثغرة القاتلة» التى ظهر أثرها التدميرى جليا على قدرة هذه المؤسسة خلال فترة 1962 ــ 1967.

والحق أننا نرى أن توافر هذين الشرطين ممكن من خلال سن تشريعات على المستوى الدستورى والقانونى واللائحى، تسمح بالتعددية الحزبية الحقيقية وتفرض الرقابة النظامية الدستورية على المؤسسة العسكرية، سواء من حيث التوجه الاستراتيجى أو التمويل والتشكيل العضوى.

ثم إن حمل المشروع الوطنى ــ الشعبى على عاتق مؤسسة الجيش ينبغى أن يكون مؤقتا تماما، حتى تحل محله المؤسسات السياسية الممثلة للغالبية الاجتماعية.  

غير أن أكبر العقبات فى وجه تحقيق هذا (السيناريو) هى الظروف الدولية التى ربما تميل إلى تحبيذ (المشروع السياسى ــ الاسلامى) الذى تقوده فصائل إسلامية (معتدلة) من وجهة نظر الغرب، على غرار «جماعة الإخوان المسلمين».

●●●

ويرجع تفضيل الغرب للمشروع السياسى الإسلامى ــ تحت قيادة الإخوان المسلمين فى مصر ونظرائهم فى دول عربية وإسلامية أخرى ــ فيما يبدو، إلى أمرين:

أن «المشروع السياسى ــ الإسلامى» ذو طبيعة «أممية» من حيث التوجه الاستراتيجى الظاهر، فى الإطار العام للحركة على مستوى «العالم الإسلامى»،  فلا يحمل تركيزا مقلقا للغرب وأمريكا على البعد الوطنى والقومى العربى الجذرى، مما ظهرت أمثلة قوية له بالفعل فى الخمسينيات والستينيات من القرن المنصرم، وبخاصة من حيث الأثر القوى على المصالح الاستراتيجية للغرب فى الوطن العربى، على قاعدة من مبادئ ثورة 23 يوليو 1952 وبزعامة جمال عبدالناصر.

أن المشروع السياسى ــ الإسلامى يقوم على المفهوم العام لما يسمى (الاقتصاد الحر) فلا يحمل تركيزا مقْلقا للغرب وأمريكا أيضا بفعل الدور القيادى المحتمل لجهاز الدولة والقطاع العام فى الميدان الاجتماعى والاقتصادى، واتباع المنهجية التخطيطية المتوازنة بدلا من آليات «اقتصاد السوق» الطليقة، من أجل خوض عملية تاريخية موسعة للتنمية الشاملة، مصريا وعربيا. ومن المفترض أن تنطلق مثل هذه العملية التاريخية الكبرى من تحرير الإرادة الوطنية للبلدان العربية ككل، وفرض (سيادة الأمة على مواردها) وفى مقدمتها النفط والغاز الطبيعى، ثم بناء جماعة عربية تكاملية تضع الأمور فى نصابها الصحيح فى مواجهة تبعات الصراع العربى/الصهيونى من الناحية التاريخية.

فهل يستطيع «المشروع الناصرى المعدل المحتمل» ــ إذا صح التعبير ــ تجاوز العقبات الدولية والداخلية الجسام؟ ذلك أمر صعب جدا، ولكنه غير مستحيل.

 

أستاذ فى معهد التخطيط القومى بالقاهرة

محمد عبدالشفيع عيسى أستاذ باحث في اقتصاديات التنمية والعلاقات الدولية
التعليقات