على رمزى.. الاسم العلم الذى لا يحتاج إلى ألقاب تسبقه ولا صفات تتبعه ولا أجد اليوم صيغة مبالغة تليق بحقيقته.
فالواقع أنه كان ــ بدون أى مبالغة ــ علامة فارقة فى تاريخ طب القلب فى بلادى. رغم أنه كان فعلا ماضيا إلا أن رحيل الاستاذ الدكتور على رمزى هذا الأسبوع يحيله إلى فعل مستقبل فـ«كان» لا تليق إلا بمن ذهب وبعد أثره، أما الرجل فقد رحل إلى لقاء ربه بينما بقى منه فى الأرض آلاف الصور والتذكارات فى قلوب أبنائه وتلاميذه ومرضاه وكل من عرفه أو صادفه وسيظل قسم طب القلب بكلية الطب جامعة عين شمس يفخر بذلك السجل الحافل بالنجاحات العلمية والسلوك الإنسانى النبيل الذى انتهجه على رمزى على مر سنوات عمله التى بدأها فيه وفيه انتهت.
يذكره تلاميذه وأنا منهم بما يحقق طرفى معادلة صعبة بين جهامة الحقائق العلمية وسلاسة شرحها وتبسيطها إلى الحد الذى يبدو كنقش على الحجر لا تذهب به أيام ولا تعصف به ريح. كان الحرص على حضور محاضراته أو المرور معه على المرضى جائزة نتسابق للحصول عليها فقد كانت بالفعل ساعات من المتعة الذهنية والحصاد الثقافى نحرص عليها بقوة.
كانت له هيبة ومهابة لم تمنع على الإطلاق أحدا من الاقتراب منه لعرض أمر شخصى أو طلب تدخل منه لحل مشكلة فقد كانت علاقاته متعددة على جميع المستويات وكانت سيرته العطرة وسمعته الطيبة تسبقانه إلى كل مكان يدخله الأمر الذى سهل له دائما أن يكون ممن اختصهم سبحانه بقضاء حوائج الناس.
عرفته دائما صاحب مواقف مبدئية يتبنى قضايا تلاميذه ويتابع أعمالهم ويدعم نجاحاتهم ويشير إليهم دائما إلى ما يحفز جهودهم ويدفعهم للاجتهاد واختيار ما يتوافق مع ملكاتهم وقدراتهم على الإبداع.
قارئا جيدا للتاريخ كان، فلم يكن يخلو حديثه من إسقاط على حدث فى التاريخ أو مرحلة زمنية أو قصة طريفة تناسب أن يبدأ بها حواراته الممتعة التى طالما ما تمتعت بسحر خاص يميزه ويتفوق به على الآخرين دونما جهد يبذله، كانت إجادته للغة العربية تضفى على أحاديثه ألقا فريدا لا يتكرر أما إجادته للغة الإنجليزية فقد كانت لا بتدو فقط فى المؤتمرات العالمية التى كان يحرص على حضورها والمشاركة فيها بل كانت أيضا الدرس الأهم فى حياة كل من سجل تحت إشرافه موضوعا علميا سواء للحصول على درجة الماجستير أو الدكتوراه. فقد كان على الدارس أن يعود مرة أخرى لدراسة قوعد اللغة الإنجليزية ليكتسب القدرة على الكتابة بلغة إنجليزية راقية تستحق أن يقرأها ويراجعها الأستاذ. تشهد له جمعية القلب المصرية بجهد متميز استمر لسنوات عديدة كان الإصرار على ترشيحه لعضوية مجلس إدارتها دائما ما يأتى بضغوط يمارسها زملاؤه وأبناؤه من شباب الأطباء فوجوده دائما كان مصدر استقرار للجمعية التى شهدت عصرا ذهبيا ونجاحا جعلها على رأس قائمة المجتمعات الطبية فى مصر والعالم العربى.
يغيب الموت الكثيرين، اللهم لا اعتراض، لكن مثل أستاذ الجيل الأستاذ الدكتور على رمزى لا يغيبه موت ويطال ذكراه نسيان بل تظل أعماله وصدق نواياه تجاه العالم الذى عاشه والرسالة التى أداها بكل إخلاص وأمان تجاه مجتمعه وتلاميذه ومرضاه هى الذكرى الحقيقية التى تمنحه حياة أخرى موازية فى قلوب كل من عرفه وأحبه حبا خالصا مقترنا بكل الاحترام.
عظم الله أجر الوطن
فى رحيل أستاذ أساتذة
أمراض القلب فى مصر
المحرر