نشر موقع Atlantic Council مقالا للكاتب Borzou Daragahi يرى فيه أنه على الرغم من الأداء المعيب للحكومة الأمريكية فى تعزيز الديمقراطية حول العالم، فإنه فى المناطق والدول التى بحاجة إلى المساعدة توجد منظمات أمريكية فعالة تساعد على نشر وتعزيز الديمقراطية.. نعرض منه ما يلى.
بعد تدخل الناتو وإطاحة الثوار لحكومة معمر القذافى فى ليبيا عام 2011، قام عدد قليل من الغربيين، بخلاف الصحفيين وعمال الإغاثة وقليل من رجال الأعمال، بالسفر إلى ليبيا التى تعمها الفوضى. وكان هناك مجموعة من المنظمات الأمريكية الممولة من الكونجرس، مثل المعهد الديمقراطى الوطنى والمعهد الجمهورى الدولى، تساعد المجتمع المدنى الوليد فى ليبيا على إرساء أسس مستقبل ديمقراطى كان من المحتمل تحقيقه. عمل المعهد الديمقراطى بشكل نشط، فقدم ورش عمل وتدريبا للنشطاء الليبيين والسياسيين، ونظم محادثات بين الليبيين بعضهم البعض حول ما يريدون وما يتوقعونه من مواطنيهم وقادتهم.
انتهت القصة الليبية بنهاية مأساوية. فالدولة أصبحت ممزقة سياسيًا، تعانى من الحرب الأهلية وداعش. ومع ذلك، فالعديد من السياسيين والعسكريين القدامى انضموا إلى هذه البرامج الديمقراطية. ففى الوقت الذى انزلقت فيه معظم البلاد إلى الفوضى، كان هؤلاء الليبيون يعملون بهدوء خلف الكواليس لتحقيق قدر من الحياة الطبيعية والاستقرار من خلال قوة التصويت الديمقراطى. وقد استفادوا جميعًا فى مرحلة ما، بشكل مباشر أو بآخر، من رغبة الأمريكيين فى مشاركة تجربتهم الديمقراطية. فى الآونة الأخيرة، فى أكتوبر، عقد موظفو المعهد الديمقراطى الوطنى ورش عمل للسياسيين ونشطاء الأحزاب لمناقشة الانتخابات المحلية والاستفتاء على دستور جديد.
***
هذا ليس بالضبط وقت ازدهار الديمقراطية، ففى الواقع الديمقراطية تقف على شعرة.. الكثير من الباحثين من إفريقيا وآسيا يتكلمون الآن بطريقة إيجابية عن النماذج الاستبدادية التى يروج لها بوتين وشى جين بينج. ففى الدول الشيوعية والسوفييتية السابقة، يقوم الفاسدون المستبدون بتحريف القوانين لتمكنهم من تقويض الحريات والتلاعب بالانتخابات لصالحهم. تلاشت التطلعات الديمقراطية فى الشرق الأوسط بعد 2011. حتى الولايات المتحدة تلاعبت بالقانون تحت حكم ترامب السلطوى، الذى يسعى صراحة إلى التلاعب بنتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2020 من خلال ادعاء التزوير بلا دليل.
لكن كما يؤكد الإقبال القياسى فى الانتخابات الأمريكية هذا العام، تظل الديمقراطية جزءًا أساسيًا من العلامة التجارية الأمريكية. وتحت حكم الرئيس جو بايدن، ستتاح للولايات المتحدة فرصة لإعادة تنشيط الممارسات والقيم الديمقراطية فى جميع أنحاء العالم.
***
تقول تارا فارما، الباحثة فى المجلس الأوروبى للعلاقات الخارجية، إن النموذج الغربى الديمقراطى أصبح أقل جاذبية ولم يعد معيارا. فحتى الأنظمة الاستبدادية لا تريد التظاهر بأنها ديمقراطية بعد الآن. وما تحتاجه أوروبا والولايات المتحدة هو القتال للفوز بالمعركة الثقافية.
على الرغم من غطرسة واشنطن وأخطائها وعيوبها، وعلى الرغم من تاريخها السيئ فى استخدام الديمقراطية كعقاب ضد الحكومات التى لا تنتهجها، لا يزال للولايات المتحدة دور قيادى مهم تلعبه فى تعزيز القيم الديمقراطية الصغيرة ــ خاصة مع قيام الصين وروسيا بالترويج النشط لنماذجهما الاستبدادية. الناس تسخر حاليا عندما تصدر وزارة الخارجية الأمريكية بيانا يدين المخالفات الانتخابية فى بلد آخر. ولكن الأهم من تصريحات الحكومة الأمريكية هو قيام عشرات المنظمات الأمريكية بالعمل على أرض الواقع لبناء الشفافية والحكم الرشيد فى جميع أنحاء العالم ــ كيانات ومبادرات يمكن للإدارة الأمريكية الجديدة أن تتبناها وتجعلها مركزية لاستعادة الدور الأمريكى فى العالم. أصبح عمل الولايات المتحدة لا يتعلق بفرض النموذج الأمريكى للديمقراطية على البلدان النامية، فالكثير من العمل أصبح متواضعا، مثل مساعدة الأحزاب السياسية الصغيرة على تنظيم الانتخابات البلدية. فلم يعد النموذج هو الديمقراطيات الغربية الراسخة، بل تجارب الدول الأخرى التى مرت بمرحلة انتقالية ونجحت فيها مثل تونس.
ثم هناك مبادرة سيادة القانون التابعة لنقابة المحامين الأمريكية، والتى تعمل فى مناطق مثل أفريقيا وآسيا وتحاول المساعدة فى جهود الإصلاح القضائى. حتى أثناء الوباء، تم تدريب مسئولى الاتحاد الأفريقى حول كيفية تقديم المشورة للحكومات، وتدريب الأعضاء والموظفين القانونيين فى الفلبين حول كيفية الدفاع عن عملائهم.
غالبًا ما يشوه عملاء اليمين المتطرف والأنظمة الاستبدادية مجموعة جورج سوروس التى تروج للتحولات والممارسات الديمقراطية السلمية. على أرض الواقع، فى الديمقراطيات المتصارعة مثل بلغاريا وجورجيا وأوكرانيا، غالبًا ما تكون المجموعات والمبادرات التى تمولها أو أسستها منظمة جورج سورس هى المدافعة عن القيم الليبرالية والديمقراطية. فيسعون للحصول على أسعار مناسبة للأدوية فى أوروبا الشرقية، ويعقدون ورش عمل للمعارضين الذين يعيشون فى ظل أنظمة استبدادية، ويعززون قوة الاحتجاج غير العنيف، ويدعمون مراكز الفكر التى تمول الأبحاث حول الفساد الحكومى.
هناك بالطبع منظمات غير أمريكية تقوم بمثل هذا العمل وغالبًا ما تتعاون مع نظرائها الأمريكيين، بما فى ذلك المنظمة الألمانية لتقارير الديمقراطية، ومؤسسة وستمنستر للديمقراطية فى المملكة المتحدة، والمعهد الدولى للديمقراطية والمساعدة الانتخابية متعدد الأطراف. يساعد المعهد الدولى للديمقراطية والمساعدة الانتخابية الديمقراطيات المتصارعة أو الناشئة فى صياغة الدساتير، وبناء قدرات الأحزاب السياسية، واكتشاف تأثير المال فى السياسة والانتخابات.
المعهد الدولى للديمقراطية والمساعدة الانتخابية يضم 33 عضوا، أمريكا ليست من ضمنهم. تونس تعتبر آخر دولة تنضم إلى المجموعة وأول عضو عربى بها. يمكن لإدارة بايدن أن تمنح كلا من المنظمة والديمقراطية دعما كبيرا، وأن تظهر أن مناوشة أمريكا مع الاستبداد قد انتهت، من خلال الانضمام كدولة كاملة العضوية إلى المنظمة.
لا يمكن فرض الديمقراطية من الخارج على بلد آخر. لكن يمكن رعاية الديمقراطية من خلال التعلم من نجاحات وإخفاقات الدول الأخرى. تونس، على سبيل المثال لا الحصر، طورت نظامًا موازيا لتجميع الأصوات فى الانتخابات أثبت دقته فى عد الأصوات وهو نظام من الممكن أن تتبناه الولايات المتحدة. فهذا النظام من شأنه أن يصمت كل من يدّعون تزوير الانتخابات. والانخراط فى جهود لتعزيز الديمقراطية وتعزيز المجتمع المدنى فى أماكن مثل اليمن أو غيرها تصبح فكرة جيدة... المنظمات التى تروج للديمقراطية على الأرض حول العالم لا بديل لها.
إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنى
النص الأصلى