أثناء خطبة هذه الجمعة فى المركز الإسلامى فى بيلفلد الألمانية، خرج اثنان من المصلين غاضبين، ولحق بهما بعد الصلاة غيرهما من المحتجين على ما يقوله الإمام، فيما علق أحدهم فى أسى «أن هذا الإمام إما أهبل أو جاهل».
إمام المسجد هو السيد سعيد الرحمانى، مدرس مساعد فى جامعة الأزهر الشريف، وموضوع خطبته كان عن الأخوة الإنسانية لغير المسلمين، سواء كانوا مسيحيين أو يهودا أو بوذيين أو شيعة أو ملحدين. كلهم فى رأيه إخوة، يعاملون على قدم المساواة باحترام وبر ومودة. أو كما لخص المسألة فى رده على من سألوه «لا نعادى ولا نخاصم من البشر إلا كل ظالم ومعتد، وتكون خصومتنا أو عداؤنا فى حدود دفع المظالم، ورد الحقوق لأصحابها، أيا كان دين الظالم، وأيا كان دين المظلوم».
ليس هذا هو الرأى الوحيد الذى خرج به الرحمانى عن المألوف من خطاب الكراهية أو التزمت، فهو يرفض الطلاق الشفوى (ولو رمى الزوج يمين الطلاق ألف مرة) أو الطلاق المعلق (لو فعلتِ كذا تكونين طالقا)، ويرى أن توثيق الطلاق شرط لصحته. لأن الفتاوى لابد أن تأخذ فى اعتبارها ما حدث من تطور. فتنظيم العلاقات بين الناس فى الدولة الحديثة، خاصة مع قيام أزواج بتعليق زوجاتهم بين الطلاق الشفوى والتوثيق، أو بلعب لعبة الطلاق المعلق ليستصدروا من المشايخ فتاوى بأن الزوجة بعدم طاعتها هى التى أوقعت الطلاق على نفسها، وبذا يصبح الأمر خلعا وليس طلاقا، لحرمان الزوجة من حقوقها.
يندهش الرحمانى من إغفال كثير من الفتاوى للمنطق الإنسانى السوى ولعدالة القرآن. من هنا كان رأيه مثلا فى مسألة وراثة الابن غير الشرعى من أبيه. الرأى السائد بعدم الوراثة جائر فى رأى الرحمانى. الابن لا علاقة له بمدى مشروعية العلاقة التى أتت به، والقرآن يرفض الظلم بقوله «لا تزر وازرة وزر أخرى». للابن فى رأى الرحمانى حق فى ميراث أبيه لو اعترف به الأب أو كان النسب ثابتا، وهو ما يسهل اليوم تأكيده بشكل علمى. منطق بسيط وإنسانى وقرآنى ولكنه مرفوض من غالبية من يفتون وتابعيهم.
الغاضبون فى مركز بيلفلد الإسلامى ليسوا استثناء من العموم الذين ارتبط الإسلام فى أذهانهم بالتشدد وبخطاب حرص من يتحدثونه على أن يكون معسرا وغير مفهوم. معظم المعترضين يزعجهم ما لم يألفوه من سماحة، وإن سألتهم عن أسبابهم سيعجزون عن الرد. على الأغلب سيطلبون منك أن تذهب إلى «عالم معتمد». ولو اجتهدوا قليلا فسيأتونك بفتوى منسوخة من أحد المواقع الحافلة بنصوص التراث.
كثيرون صاروا عاجزين عن استيعاب إسلام متطور واع إنسانى متفتح على الآخرين، بفضل ما تم بثه فى عقولهم على مدى عقود فى المدارس والمساجد وعلى ألسنة الشيوخ المعتمدين والمدعومين من قبل الدولة وممولى الفضائيات. آراء المتشددين والمحرضين ومؤججى الفتن مألوفة لهم ولا تستوجب جدلا أو رفضا أو مناقشة حتى ولو ربطت بين القرآن وأحقر ما تعرفه النفوس من عنف وكراهية. لن يسألوهم سؤالا واحدا، بل سيؤمنون على كلامهم وهم يرفعونهم فى مراتب القداسة. أما من يخبرهم بأن إسلامهم سمح ومنفتح فيصبون عليه اللعنات، ويثيرون الشكوك حول كل كلمة يقولها وعلاقتها بالقرآن والسنة. تم تدريبهم على ألا يقبلوا إنسانية دينهم من كائن من كان، حتى ولو كان أزهريا مؤهلا.