إخضاع مكافآت أعضاء مجلس الشيوخ للضرائب، قرار سليم وصحيح وضربة سياسية موفقة.
عصر يوم الإثنين الماضى اقترح أشرف رشاد رئيس الهيئة البرلمانية لحزب «مستقبل وطن» أن يتم خضوع مكافأة العضوية بمجلس الشيوخ للضرائب، كما أعلن عزمه التقدم بتعديلات تشريعية فى شأن لائحة مجلس النواب لإقرار نفس الحكم على مكافآت أعضاء مجلس النواب، وبالتالى ستصبح المادة ٢٨٤ من لائحة مجلس الشيوخ فى تعديلها الجديد كالتالى: «يتقاضى عضو مجلس الشيوخ مكافأة شهرية مقدارها خمسة آلاف جنيه، تستحق من تاريخ أدائه اليمين، وفى جميع الأحوال لا يجوز أن يزيد مجمود ما يتقاضاه العضو من موازنة المجلس تحت أى مسمى عن الحد الأقصى للأجور.
مجلس الشيوخ حينما أقر لائحته الداخلية فى ٢٩ نوفمبر الماضى، أضاف عبارة إلى هذه المادة تعفى المكافأة من الضرائب. أتذكر وقتها وكنت موجودا فى الجلسة، أن عضوا شجاعا ومحترما اقترح تعديلها لتصبح المكافآت خاضعة للضرائب، لأنه لا يجوز أن من يشرع فرض الضرائب على الناس والمجتمع، يفترض أن يكون قدوة للناس، وقتها تم رفض اقتراح النائب، وعرضت المادة للتصويت، فحظيت بموافقة الغالبية.
بعدها حدث غضب شعبى كبير، باعتبار أن النواب الذين يفترض أن يشرعوا لفرض الضرائب على المواطنين، لابد أن يكونوا أول من يطبقوها على أنفسهم، وأن تمرير المادة بهذه الصورة هو رسالة غاية فى السلبية وإساءة لصورة المجلس فى بداية عمله.
يومها سألت أكثر من مسئول فى المجلس عن سر تمرير هذه المادة بشكلها المستفز للناس، وكانت الإجابة أن لائحة مجلس الشيوخ مأخوذة فى جوهرها من لائحة مجلس النواب، مع تعديلات طفيفة تتعلق بطبيعة كل مجلس وصلاحياته.
أحد المسئولين ــ وأثق فى صدق كلامه ــ قال لى يومها، إن مجلس النواب أقر هذه المادة بشكلها القديم، حينما وضع لائحته الداخلية عام ٢٠١٦، وأعفى أعضاءه من الضرائب على المكافآت، وإذا قام مجلس الشيوخ بإلغاء هذا الأمر، فإن الرسالة الوحيدة التى كانت ستصل هى أن مجلس الشيوخ، يريد إحراج مجلس النواب، وإظهاره بأنه يطالب الناس بسداد الضرائب ويعفى نفسه منها، وأذكر أننى قلت للرجل يومها: «ولكن الرسالة التى وصلت للناس من تمرير هذه المادة، هى أن مجلس الشيوخ يريد أن يقلد مجلس النواب فى التهرب من سداد الضرائب».
لكن الرجل قال لى كلاما معقولا، خلاصته أن مجلس النواب، هو الذى سيمرر لائحة الشيوخ، وإذا رأى إعادة إخضاع المكافآت للضرائب فخير وبركة، بل ويمكنه أن يخضع مكافآت أعضائه أيضا للضرائب، ووقتها سيبدو الأمر منطقيا.
رأيى الشخصى أن تمرير المادة فى مجلس الشيوخ لم يكن صائبا، ولا أقول ذلك ادعاءً للحكمة والشجاعة بأثر رجعى، وقلت رأيى بوضوح إننى ضد إعفاء نواب الشيوخ من الضرائب، على الهواء مباشرة مع الإعلامى هشام عاصى فى برنامج «صباحك مصرى» على قناة «إم بى سى مصر» فى أوائل شهر ديسمبر الماضى، بعد إقرار لائحة الشيوخ بأيام قليلة.
عموما، أن يتم إصلاح الأمر فى وقت متأخر، خير من عدم إصلاحه بالمرة، وما حدث من مناقشات وآراء يوم الإثنين الماضى، فى مجلس النواب كان أمرا مبشرا، بأنه لا يصح إلا الصحيح.
أعجبنى ما قاله أشرف رشاد وكذلك رئيس المجلس المستشار حنفى جبالى وعاطف مغاورى «التجمع» وهانى أباظة «الوفد». ولفت نظرى ما قاله النائب أيمن أبوالعلا «الإصلاح والتنمية» من أنه اقترح قبل سنوات فرض الضرائب على مكافآت النواب، لكن طلبه قوبل بالرفض.
المبالغ المعفاة من الضرائب قليلة كما قال أشرف رشاد، لكن القضية هنا هى المبدأ، فإذا كان يتم خصم الضرائب من الموظف البسيط جدا من المنبع، فلا يجوز أن يتم إعفاء النواب، خصوصا أن الحالة المادية لمعظمهم مستورة وجيدة إن لم تكن ممتازة. وإذا كان الإعفاء يوفر مبالغ قليلة أو حتى كبيرة فإن حجم ضرره للبرلمان وللنواب لا يقدر بثمن.
ظنى الشخصى أن مجلس النواب السابق يتحمل المسئولية الكبرى، حينما أعفى مكافآت نوابه من الضرائب، لأنه أعطى رسالة سلبية جدا للمجتمع، ونواب الشيوخ كان يفترض أن يرفضوا المادة، حينما أقروا اللائحة. والحمد لله أن مجلس النواب عالج المشكلة.
وإذا كان من درس مهم فى هذا الأمر، فهو ضرورة أن يتنبه أعضاء المجلسين لمثل هذه الأمور فى المستقبل، وأن يدركوا أنهم إذا كانوا يشرعون للمجتمع، ويراقبون الحكومة فإن الشعب بأكمله يراقبهم فى كل شىء.