ما تعرفه أن هناك اتهامات غاية فى الخطورة وجهها تقرير لتقصى الحقائق إلى المؤسسة العسكرية وبعض قادتها وأفرادها خلال المرحلة الانتقالية، التقرير حسبما هو منشور تم تسليمه لرئيس الجمهورية، وهناك نسخ لدى النائب العام، ولدى رئيس اللجنة التى أعدته.
لكن التقرير الموجود لدى الرئاسة منذ فبراير الماضى، بدأ تسريبه بشكل متواتر خلال الأيام الماضية، وجرى التركيز على فقرات وشهادات تخص قوات الجيش التى كانت منتشرة فى الشوارع، وتحتك بالمواطنين والمتظاهرين خلال المرحلة الانتقالية.
الاتهامات الواردة فى التقرير، خطيرة، تستحق تحقيقا يفصل فيها، لكنك لا تسمع شيئا عن تحقيقات تجرى فى هذا الصدد، ولا تعرف ماذا فعل النائب العام بنسخة التقرير التى فى حوزته، أنت فقط تعرف أن هناك تقريرا، ثم تقرأ فقرات مسربة منه فى توقيتات مثيرة للجدل، بدت خلالها أن هناك أزمة ما بين مؤسسة الرئاسة والمؤسسة العسكرية، تبدت فى بيانات وتصريحات متبادلة صادرة عن بعض المحسوبين على جماعة الرئيس، ومصادر عسكرية معتمدة يعرف الصحفيون مدى ارتباطها بالمؤسسة العسكرية.
من سرب هذه التقارير إذن شخص يعرف تفاصيل ما يمكن أن يسمى بالصراع المكتوم بين المؤسستين، لكن هل أراد من تسريباته أن يأخذ القانون والعدالة مجراهما وأن يأخذ كل ذى حق حقه، أم أراد استخدام هذه الورقة لحسم صراع كذلك أو الوصول لصيغة وسط تضمن هدنة لا تخترق بين الجيش الراغب فى استمرار الحفاظ على كيانه بعيدا عن النهم الإخوانى للسيطرة على كل شىء، وفى الوقت نفسه تبقى الجيش بعيدا عن أى تهديد محتمل للنظام الجديد.
الحقيقة أن ما تراه اليوم لا يعبر عن إرادة حقيقية لإقرار القانون والعدالة، وفتح تحقيقات جادة مع كل متهم بقتل أو ايذاء المواطنين بقدر استخدام هذه المعلومات فى المكايدات السياسية وفى حسم معارك لى الأذرع بين مراكز القوى الأساسية فى الدولة، أو حتى لجم الاندفاعات وتأجيل الصدام.
فى قلب هذه المعارك أيضا تقارير عن الضحايا الذين سقطوا عقب تسليم الجيش للسلطة، تعذيب أمام الاتحادية، وتقارير عن سلخانات فى مواقع الأمن المركزى، وشهداء سقطوا فى عهد الرئيس المنتخب بذات الممارسات التى كانت تحدث أيام مبارك، وبذات الممارسات التى كان يتخذها نظام مبارك فى التغطية على جرائمه من التأثير على الطب الشرعى إلى تجميد التحقيقات فى أدراج النائب العام.
يمسك الرئيس وجماعته وحزبه، تقارير عن أخطاء المرحلة الانتقالية، يلوحون بها بين وقت وآخر للمؤسسة العسكرية، لوقف تقدمها وكبح تهديدها الذى يتزايد دعمه شعبيا مع كل تراجع فى شعبية الجماعة، ويمسك الجيش فى يديه صورة لمبارك داخل القفص متهما بقتل المتظاهرين، وكل ادعاء عليه، وكل شهيد سقط فى أمام عينيه، وكل تعذيب حدث فى عهده، تكرر مثله بـ«الكربون» فى عهد الرئيس المنتخب، هذه هى المعادلة إذن، إذا كان المشير كقائد سابق مهدد بملاحقة قضائية، فإن الرئيس الحالى نفسه مهدد بذات الملاحقة.
هذا هو توازن القوى الجديد، القوتان الفاعلتان عمليا على رأس كل منهما بطحة، ومن داخل هذا المعادلة تتحرك موجات المد والجزر، لكن الجيش يبقى متهما فى ماضيه، ويحاول حمايته، بعد أن اطمأن لاستعادة مستقبله، بينما الجماعة متهمة فى حاضرها ومهددة فى مستقبلها..!