بجوار بيت سعد زغلول المسمى «بيت الأمة» ثم متحفه، وفى الشارع الذى يحمل اسمه، خلف مجلس الوزراء، هناك زاوية صغيرة للصلاة. فى يوم الإثنين قبل الماضى، الذى صادف أول أيام شهر رمضان المعظم، ذهبت لأداء صلاة العشاء. انتهت الصلاة، وبدأت صلاة القيام أو «التراويح»، وكنت أنوى أداء أربع ركعات فقط، لارتباطى بموعد عمل مهم. الإمام بدأ الركعة الأولى، وبعد أن أنهى الفاتحة قرأ من بداية سورة البقرة الآيتين: «ألم، ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين»، ثم ركع. وفى الركعة الثانية قرأ آية واحدة هى: «الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون». ظل الإمام على هذه الوتيرة السريعة، ولذلك أكملت معه الركعات الثمانى والشفع والوتر.
فى الليلة التالية ذهبت لنفس الزاوية، وفى الركعة الأولى من القيام قرأ من سورة الرحمن أول آيتين، ومجموع كلماتهما ثلاث فقط هى: «الرحمن، علم القرآن» ثم ركع. وفى الركعة الثانية قرأ: «خلق الإنسان، علمه البيان»، وفى الركعة الثالثة قرأ: «الشمس والقمر بحسبان، والنجم والشجر يسجدان، والسماء رفعها ووضع الميزان». وهكذا حتى انتهت صلاة القيام فى وقت قياسى.
وفى اليوم الثالث قرأ من سورة الإسراء، وإن كانت آياتها أكبر نسبيا من آيات سورة الرحمن.
وفى اليوم الرابع أى ليلة الخميس قرأ من بداية سورة الدخان فى الركعة الأولى الآيتين: «حم، والكتاب المبين» وفى الركعة الثانية قرأ الآيتين: «إنا أنزلناه فى ليلة مباركة، إنا كنا منذرين، فيها يفرق كل أمر حكيم».
وحينما أنهى الركعات الثمانى، كان الأمر قد استغرق ١٦ دقيقة بالضبط، أى إن كل ركعة تستغرق دقيقتين، شاملة بعض الأدعية بينها.
وفى يوم الجمعة قرأ من سورة الكهف بنفس الطريقة تقريبا. وفى ليلة الإثنين الماضى، قرأ فى الركعة الأولى من سورة ق «ق والقرآن المجيد».
لا أكتمكم سرا أننى استرحت لهذا الإمام. بل وقعت فى غرام طريقته السريعة، التى أتاحت لى أن أؤدى ركعات القيام الثمانى، وركعات الشفع والوتر الثلاث فى نحو ثلث ساعة.
أحد معارفى الذين يصلون فى نفس الزاوية، قال لى إنه كان يجد صعوبة كبيرة فى إقناع ابنه بأداء صلاة القيام، لأن إمام المسجد الصغير أيضا فى شارع قريب يستغرق نحو ساعة كاملة فى الركعات الثمانى، وأن الركعة الواحدة هناك تساوى تقريبا مجمل وقت أداء صلاة الركعات الثمانى فى الزاوية الصغيرة.
قد يعترض البعض على هذا الكلام، ويتهمنى بضعف الإيمان أو عدم الصبر لساعة فى صلاة التراويح.
ولأصحاب هذا المنطق أقول إن صلاة القيام سنة وليست فرضا، وما يفعله «الإمام السريع» صحيح شرعا لأنه يجوز أن يصلى المسلم الركعة ولو بآية واحدة، إذا كان لا يحفظ غيرها. ثم إن النقطة الجوهرية هى وجود مساجد أخرى كبيرة جامعة، تقوم بختم القرآن كاملا خلال صلاة القيام، وبالتالى فالمساجد متوافرة لمن يريد التطويل وختم القرآن كاملا، أو يؤدى صلاة القيام بسرعة، إذا كان وقته لا يسمح بذلك. ثم إن الصلاة السريعة مناسبة ومطلوبة جدا للمرضى وكبار السن والمتعجلين. والحكمة من صلاة السنة عموما هى التقرب من الله وليس تعذيب الناس. ثم إن النقطة الأكثر جوهرية من وجهة نظرى، هى أن السلوك والمعاملات والممارسة هى الأصل ومبتدأ الأمر ومنهاه وليس طول وعدد الآيات.
مساء يوم الجمعة الماضى، تحدثت قليلا مع الإمام عقب الصلاة. رجل كبير فى السن، وجهه يشع نورا، مبتسم دائما، يحفظ القرآن، ويرتله بصورة طيبة. سألته عن الهدف من أداء صلاة القيام بسرعة، فقال لى كلاما مقنعا، يدور حول ضرورة التيسير على الناس أولا، ثم إن آية واحدة مثل «الرحمن» يمكن للإنسان أن يتأمل فيها الكثير..
أظن أنه وبمناسبة هذا الإمام، فقد آن الأوان للبحث فى طرق جديدة لتشجيع الشباب صغير السن على حب الذهاب إلى المساجد وأداء الصلوات. أعتقد أن العصر الذى نعيشه، وإدمان الشباب للهواتف المحمولة، إضافة إلى منظومة القيم الراهنة فى العالم أجمع، قد ترك آثارا سلبية على بعض الشباب وعلاقتهم بالدين الصحيح الذى يظل العاصم الأكبر فى مواجهة غالبية مشاكل الحياة، خصوصا فى جانبها الأخلاقى. وهذا موضوع يحتاج إلى نقاش مفصل، أرجو أن أعود إليه قريبا إن شاء الله.