نشرت مؤسسة Chatham House مقالا للكاتب «ريناد منصور» تناول فيه محاولات العراق للعب دور الوسيط فى الصراع بين الولايات المتحدة وإيران؛ نظرا لتأثير هذا الصراع سلبيا على استقرار العراق. ويتناول الكاتب المعوقات التى قد تواجه العراق فى طريقها للعب لهذا الدور.
اندلعت التوترات مرة أخرى بين الولايات المتحدة وإيران. انسحاب حكومة ترامب من الاتفاق النووى الإيرانى الذى أعقبه تحذيرات من إيران باستكمال برنامجها النووى أعاد إحياء أزمة امتدت لعدة عقود. داخل إدارة ترامب هناك قادة مؤثرون فى صنع القرار، من ضمنهم مستشار الأمن القومى جون بولتون ووزير الخارجية مايك بومبيو، يقودون الولايات المتحدة نحو الصراع مع إيران.
إلا أن هذا الصراع لم يتطور أبدا إلى مواجهة مباشرة، ولكن تظهر سماته فى أنحاء بلدان الشرق الأوسط، وخاصة فى العراق الذى يعتبر ذا أهمية كبرى بالنسبة لكلا الطرفين الأمريكى والإيرانى. ومؤخرا بسبب التهديد المتزايد، أخلت الولايات المتحدة جميع موظفيها غير الأساسيين من العراق. ثم سقط صاروخ يشتبه فى أنه تم إطلاقه من قبل ميليشيات موالية لإيران بالقرب من السفارة الأمريكية فى المنطقة الخضراء. وحذر الرئيس دونالد ترامب فى وقت لاحق من أن أى تصعيد سيكون بمثابة النهاية لإيران.
الحفاظ على النفوذ
الأسبوع الماضى، زار وزير الخارجية الإيرانى محمد جواد ظريف بغداد والتقى القيادة العراقية. جاءت الزيارة بعد أسابيع قليلة من زيارة نظيره الأمريكى بومبيو إلى بغداد.. حيث يحاول الجانبان الحفاظ على نفوذهما مع تقليل نفوذ الطرف الآخر.
الحكومة العراقية الجديدة، التى تم انتخابها بعد أقل من عام من إعلان البلاد النصر على الدولة الإسلامية فى العراق وسوريا (داعش)، تخشى أن تصبح حكومة بلا أهمية مثلما كانت الحكومات العراقية من قبل. لا يريد القادة العراقيون، سواء مؤيدون أو معارضون لإيران، أن يروا بلدهم ينجرف فى هذا الصراع. لسنوات عديدة، حاول القادة العراقيون الابتعاد عن مجرد كونهم دمية فى أيدى إيران أو الولايات المتحدة.
بدلا من ذلك، تريد قيادة بغداد أن تكون وسيطا فى هذا الصراع. ويقوم الزعماء العراقيون بنقل ملاحظات بين طهران وواشنطن، قائلين إن تعاملهم مع كلا الجانبين يضعهم فى وضع مثالى للتوسط فى هذا الخلاف المستمر منذ عقود.
ولكن هل يمكن للحكومة العراقية أن تتحول من مجرد ناقلة ملاحظات إلى وسيط فى هذا الصراع، أم أن العراق سيكون مقدرًا له مرة أخرى أن يكون ملعبا لصراعاتهم؟
فى الآونة الأخيرة، تقول المصادر إن رئيس الوزراء عادل عبدالمهدى شكل لجنة وساطة برئاسة وزير الخارجية محمد الحكيم. وورد أن الفريق يضم رئيس المخابرات مصطفى الكاظمى ومدير مجلس الأمن القومى فالح الفياض.
نقاط الضغط
إذا كان للعراق أن يتوسط بين الولايات المتحدة وإيران، فسوف يحتاج إلى تحديد نقاط ضغط لكسب مقعد على الطاولة. تنظر كل من واشنطن وإيران إلى أن استقرار العراق أولوية قصوى. فهل يمكن للعراق أن تستخدم «الاستقرار» كورقة مساومة محتملة؟ حتى وقت قريب، قاتلت كل من طهران وواشنطن على نفس الجانب لهزيمة داعش، لكن التوترات الأخيرة تهدد هذا التوازن فى العراق.
إيران والولايات المتحدة ارتكبتا أخطاء أثناء وجودهما فى العراق، فكان الظهور السريع لداعش فى 2014 نتيجة خطأ فادح من كلا الجانبين، وكلاهما يحتاج إلى بقاء استقرار العراق. ويمكن للقادة العراقيين تذكير كلا الطرفين بالنتائج المترتبة على تهديد استقرار العراق.
يحتاج العراق أيضًا إلى العمل مع الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية التى لن يكون فى مصلحتها تفاقم النزاع الأمريكى الإيرانى. القادة فى العديد من العواصم الأوروبية، من لندن إلى باريس، يعملون على إيجاد طريقة تمنع تفاقم الأزمة. بغض النظر عن بعض الأفراد فى واشنطن وطهران، فليس من مصلحة أحد أن تتفاقم الأزمة. يمكن للعديد من هذه العواصم أن تدعم العراق فى التعامل مع الجانبين وتهدئة النزاع.
ومع ذلك، فإن فكرة أن العراق يمكن أن يكون وسيطًا تحتاج إلى مراجعة. فلقد انتهت البلد من حرب وحشية ضد داعش ولديها العديد من التحديات لإعادة البناء.
إن الافتقار إلى سياسة خارجية موحدة ومستقلة يهدد قدرة العراق على أن يصبح وسيطا مستقلا وصادقا. بعض القادة فى بغداد، مثل الزعماء المنتمين إلى بعض مجموعات وحدة الحشد الشعبية، تربطهم علاقات قوية مع إيران ويدفعون بسياسات مؤيدة لها. فى الأشهر الأخيرة، عمل هذا المعسكر على إصدار قانون فى البرلمان يزيل القوات الأمريكية من الأراضى العراقية. ولكن على الصعيد الآخر يحذر مشرعون آخرون من أن إيران تشكل أكبر تهديد لاستقرار العراق. من الواضح أن الحكومة العراقية ليست لاعبا محايدا فى هذا النزاع.
تحقيق النظام
يحتاج العراق أولا إلى تحقيق النظام على المستوى الداخلى. الدولة العراقية ضعيفة وهشة. لا تزال الحكومة العراقية تفتقر إلى وزير للداخلية ووزير للدفاع. لا توجد امرأة واحدة فى الحكومة الجديدة. وكثير من العراقيين يشعرون بخيبة أمل ويسعون لإسقاط النخبة القائمة ويستمرون فى مقاطعة العملية السياسية. السياسة الداخلية هى تحد كبير لإعادة بناء العراق بعد داعش.
فقط إذا استطاعت الحكومة العراقية المضى قدما فى سياسات مستقلة، خالية من التدخل الإيرانى أو الأمريكى، وتسوية وضعها الداخلى الصعب، فسيمكن لها أن تصبح وسيطًا محتملا فى النزاع وإلا ستظل الملعب الرئيسى للنزاع الإيرانى الأمريكى.
ركزت قيادة بغداد على السياسة الخارجية، والسفر إلى العواصم الإقليمية والأجنبية للتفاوض. نظرًا لعدم قدرتها على حل مشاكل السياسة الداخلية، حولت بغداد تركيزها إلى المجال الدولى – ولكن إذا ظل القادة غير قادرين على السيطرة على السياسة الداخلية للبلاد، فلن يتمكن العراق من لعب دور الوسيط.
يدعى الزعماء العراقيون أنهم يستمعون لطرفى النزاع، لكن بغداد تحتاج إلى توحيد سياستها الخارجية وإصلاح سياساتها الداخلية قبل أن تتمكن من التوسط بشكل واقعى بين قوتين مثل واشنطن وطهران.
إعداد
ابتهال أحمد عبدالغنى
النص الأصلى
http://bit.ly/2MNsUoA