هل يُمكن قيام عَوْلَمة بلا منظمات تنسيق فوق وطنية؟ - العالم يفكر - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 4:00 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل يُمكن قيام عَوْلَمة بلا منظمات تنسيق فوق وطنية؟

نشر فى : الخميس 16 يونيو 2022 - 7:50 م | آخر تحديث : الخميس 16 يونيو 2022 - 7:50 م

نشرت مؤسسة الفكر العربى مقالا للكاتب عبدالعظيم محمود حنفى بتاريخ 9 يونيو، يشرح فيه كيف أن البشرية بحاجة إلى إصلاح قواعد المنظمات الدولية الحالية، لنشهد عولمة إنسانية تحد من التفاوت الصارخ بين البلدان المتقدمة وبين البلدان النامية.. نعرض من المقال ما يلى:

لا تعمل العَوْلَمةُ من تلقاء نفسها، ولكنْ من خلال السياسات الاقتصادية ــ المالية، والذين يضعون هذه السياسات ويطبقونها يُمكن أن يكونوا مَراكِز القوى فى العالَم التى أنشأت هذه المنظمات لخدمة مصالحها. والسؤال المطروح: هل يُمكن ترجمةُ تنفيدِ العَوْلَمة من دون إيجاد منظمات التنسيق فوق الوطنية؟ يُجيب بعض المُحللين، وهُم يُمثلون مُعسكر السيادة الوطنية، ومن بينهم جون كينيث جالبريث، عن هذا السؤال بالإيجاب، فى حين يجيب عنه البعض الآخر بالنفى، وهؤلاء يشكلون تيار الانفتاح الخارجى.
ما تحتاجه البشرية اليوم ليس مجرد العَوْلَمة، ولكن العَوْلَمة ذات الوجه الإنسانى، التى يتم من خلالها تقاسُم المَنافِع بالتساوى بين الأُمم دوليا وبين الناس على الصعيد الوطنى، من أجل إرساء العَوْلَمة على قيَم الإنصاف والعدالة الاجتماعية.
المطلوب هو الإصلاحات وقواعد جديدة للسلوك فى منظمات الحَوْكَمة العالَمية، وصندوق النقد الدولى، والبنك الدولى ومنظمة التجارة العالَمية. واجَهَ الاقتصادُ العالَمى أولَ مَوجةِ ركودٍ فى عصر العَوْلَمة عام 2008. ثم هناك مُعاناة الدول النامية فى الحصول على اللقاحات والأدوية لمُواجَهة كوفيد–19.
• • •
ليس هناك من نظامٍ مُماثِلٍ للإشراف على عملية العَوْلَمة فى العالَم. لدينا الحَوْكَمة العالَمية، من دون وجود حكومة عالَمية. فى المقابل، على مدى السنوات الـ ٥٠ الماضية، كان لدينا نظام المؤسسات مثل البنك الدولى، وصندوق النقد الدولى ومنظمة التجارة العالَمية، التى تُعتبر مسئولة عن نواحٍ مُختلفة من العملية التنموية، والتجارة، والاستقرار المالى، لكن الطريقة التى تتم بها قيادة هذه المنظمات الاقتصادية تتماثَل مع مَسار تطورها على مر السنين: غياب الديموقراطية والشفافية، والانحياز إلى المصالح الخاصة على حساب البلدان الفقيرة.
تتهم الحكوماتُ العَوْلَمة بأنها السبب فى فقدانها السيادة الوطنية الناجمة عن النمو غير المحدود لقوة الأسواق المالية والشركات المتعددة الجنسيات. وهذا ما يستدعى إصلاح المنظمات الدولية، بما يخدم ليس الأغنياء والدول الصناعية المتقدمة فحسب، ولكنْ أيضا الفقراء والبلدان الأقل نموا. كان صندوق النقد الدولى والبنك الدولى فى المَركز من مشكلاتٍ اقتصادية كبرى بدأت منذ عقدَيْن، شملت الأزمات المالية وتحوُل الدول الشيوعية السابقة إلى اقتصاد السوق. اهتم صندوق النقد الدولى، فى علاقاته ببلدٍ مُعين، بقضايا الاقتصاد الكلى: عجز الموازنة العامة للدولة، والسياسة النقدية، والتضخُم، والعجز التجارى، والسياسة المتعلقة بالعقود للحصول على الائتمانيات القادمة من مَصادر خارجية. بينما كان من المُفترض أن يتعامل البنك الدولى مع المُشكلات الهيكلية وأوجه إنفاق المال من جانب حكومة البلد المَعنى، والمؤسسات المالية فى البلاد، وسوق القوى العاملة، والسياسات التجارية. نحن نستطيع أن نؤكد أن صندوق النقد الدولى لم يُحقِق مهمته الأساسية المتمثلة فى تعزيز الاستقرار العالَمى، لا بل إنه لم يُحقِق أى نجاحٍ أيضا فى المهمات الجديدة التى تعهَد بها.

وتحتاج منظمة التجارة العالَمية لاتخاذ قراراتٍ تشتمل على أهداف تسهيل التغلغل فى السوق الدولية لشركاتٍ معينة من البلدان النامية التى لديها إمكانات، والتى أَثبتتْ أن لديها القدرة على التكيُف مع بعض المَعايير التى تفرضها المنظمات الدولية لفترةٍ مُحدَدة من الزَمن. لتحقيق هذا الهدف، من الضرورى أن تُدافع منظمة التجارة العالَمية، جنبا إلى جنب، مع المنظمات الدولية الأخرى، عن اعتماد القرارات وتنفيذها لمصلحة دول الجنوب، مثل تخصيص الأموال والقروض غير القابلة للسداد فى إطار شروط مواتية، وتقديم المُساعدة الفنية المُختصَة لإرشاد المُديرين من أجل تخصيص المَوارِد بكفاءة، واعتماد سياسات واستراتيجيات تسمح بتحقيق الأهداف المُقترَحة. بهذا المعنى، يجب أن توفِر البلدان المُتقدمة للبلدان النامية التكنولوجيا والمعدات الفعالة فى ظل ظروفٍ مواتية، وأن تضمن المُساعدة التقنية والمالية المُتخصِصة اللازمة حتى تُصبح بلاد الجنوب قادرة على استغلال المواد الخام التى لديها، واستخدام القوة العاملة المُتاحة الوفيرة والرخيصة نسبيا.
• • •
لم تكُن السياساتُ الاقتصادية التى تم التوصُلُ إليها فى واشنطن من قِبَلِ المؤسسات الاقتصادية الدولية فى البلدان المتقدمة كافية بالنسبة إلى البلدان التى تمر بالمراحل الأولى من تطورها أو تحولها. فقد دَعَمَتْ معظم البلدان الصناعية المتقدمة اقتصاداتها بقوة من خلال حماية بعض فروع نشاطها، حتى تمكَنت من مُواجَهة مُنافَسة الشركات الأجنبية. وقد أَثبتت المُمارَسة فى جميع أنحاء العالَم أن إلزامَ دولة نامية بفتْح أسواقها أمام استيراد المُنتجات التى من شأنها مُنافسة مُنتجات فروع معينة من اقتصادها الوطنى يخلِف آثارا وعواقب اجتماعية واقتصادية كارثية. فقد قلَت الوظائف بشكلٍ منهجى، وعَجِزَ المزارعون الفقراء فى البلدان النامية عن مُنافَسة المُنتجات التى تدعمها الإعانات القوية القادمة من أوروبا أو الولايات المُتحدة الأمريكية، قبل أن تتمكن الصناعة والزراعة فى هذه البلدان من تطوير ذاتها وإيجاد فُرص عملٍ جديدة. فبسبب إصرار صندوق النقد الدولى على أن البلدان النامية يتوجب عليها الاستمرار فى تطبيق السياسات النقدية المقيدة، وصلتْ أسعارُ الفائدة إلى مستوياتٍ جعلتْ من المستحيل إيجاد فرُص عملٍ جديدة، حتى فى ظل أفضل الظروف؛ إذ تم تحرير التجارة قبل اتخاذ تدابير الحماية الاجتماعية اللازمة، وتحوَل الذين فقدوا وظائفهم إلى فقراء. فى حين راح يشعر الذين لم يفقدوا وظائفهم بعدم الأمان. لذلك، وفى أحيان كثيرة جدا، لم ينتج عن التحرير النمو الاقتصادى الموعود، بل حصلت زيادة فى معدلات الفقر.
زادت خيبةُ الأمل المتعلقة بالإجراءات التى تم اتخاذها بتوجيهٍ من صندوق النقد الدولى، ولاسيما المتعلق منها بفقراء البلدان النامية، وقضايا الاستفادة من الإعانات، من وقود ومواد غذائية، التى راحت تقل بشكلٍ مُتزايد. فيما راح الفقراء فى تايلاند يراقبون انتشار الإيدز بينهم بسبب التخفيضات الحاصلة فى قطاع الصحة التى يفرضها صندوق النقد الدولى، فضلا عن امتناع الكثير من الأسر فى العديد من البلدان النامية عن إرسال أبنائهم إلى المدرسة بسبب التكاليف الدراسية.
هنا يُثار تساؤل عما إذا كانت هناك حاجة اليوم إلى صندوق النقد الدولى؛ ذلك أن الدَور ملقى على الأُمم المتحدة التى ينبغى عليها الاضطلاع بمسئولية تقديم العون والمساعدة إلى الدول لتطوير تفاعلاتها، وتطوير كفاءاتها فى العمل فى إطار نظام متعدد الأطراف، وهو الأمر الذى يُثير الجدل حول معضلة المركزية واللامركزية. غير أن تحقيق مهام التعاوُن الدولى على هذا النطاق وبالصورة التى يُطالب بها ميثاق الأُمم المتحدة فى مثل هذه المجالات المتنوعة غير قابل للتحقُق على المستوى المركزي؛ إذ يعتمد العملُ الدولى فى المجالات الاقتصادية والاجتماعية على المُشارَكة الفعالة واتخاذ إجراءات تكميلية من السلطات الوطنية فى كل مجال. ويمكنها أن تعمل من خلال المشاركة المباشرة مع الشركاء الدوليين؛ وهكذا فإن اللامركزية هى هدف مطلوب تحقيقه، ويتمثَل دَور المنظمات الدولية فى تحقيق الاستقرار المالى فى:
ــ العمل بحكمة فى تعزيز تحرير رأس المال.
ــ وصف شروط قبولها من جانب الدول.
ــ تجنُب سياسات الاقتصاد الكلى الضيقة للغاية وسياسات التكيُف الهيكلى التى لم تُثبت كفاءتها.
ــ إنهاء الاحتكار من صندوق النقد الدولى.
وللأُمم المتحدة دورٌ لا غنى عنه فى منْعِ الآثار الناجمة عن النزاعات وتخفيفها، ليس من خلال إجراءاتها فى المجال الصارم لعمليات حفظ السلام أو الإجراءات العسكرية والأمنية الأخرى فحسب، لكن أيضا من خلال مَهامها الأخرى كلها، مثل تعزيز التنمية المُستدامة، واحترام حقوق الإنسان، وتطوير القانون الدولى. والأُمم المتحدة ليست مُطالَبة بالسعى لتعزيز دَورها فى هذا الاتجاه فحسب، ولكنها تحتاج أيضا إلى تحفيز حشد المَوارد من المؤسسات المالية الدولية فى مشروعاتٍ مُشترَكة.
• • •
فى الوقت الحاضر، ولسوء الحظ، لا يُمكن الحديث عن وجود منظمة عالمية قادرة على الحد من التفاوت الصارخ بين بلدان الشمال وبلدان الجنوب، وتنظيم الأمور وفقا لقواعدها الخاصة، من دون أن تتأثر بحكومات البلدان الصناعية الكبرى.
نحن بحاجة إلى إصلاحاتٍ مهمة فى المنظمات الدولية القائمة أو حتى إلى حلها وإنشاء منظمات جديدة قادرة على تطبيق القوانين بشكلٍ موضوعى، واعتماد القرارات والاستراتيجيات والخطط التى تخدم مصالح العالَم كله وليس مصالح البلدان الصناعية الرئيسة فقط. على أن تكون هذه المنظمات قادرة على «الاستماع» إلى مُشكلات كل بلدٍ على حدة، واعتماد تدابير خاصة به، وإيجاد حلولٍ وافية أقرب ما تكون إلى الواقع.
إن الضغوط التى تمارسها العَوْلَمة على الاقتصاد وعلى حياة الناس فى كوكبنا تزداد وطأتها أكثر فأكثر. وفى الوقت نفسه، يجب أن نحوِل الأزمةَ الاقتصادية والصحية الحادة إلى فرصة لبدء عصر جديد من الاستدامة. فالتنمية هى وصفة خضراء جديدة تمثل برنامج الاستثمارات العامة فى البنية التحتية والتكنولوجيا، الذى تستطيع البلاد من خلاله أن تضمن إعادة تأهيل اقتصاداتها، وأن تُسيطر على معدل البطالة.

التعليقات