فلسفة السياسات العامة فى أداء الحكومات - إيريني سعيد - بوابة الشروق
الإثنين 26 أغسطس 2024 6:27 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فلسفة السياسات العامة فى أداء الحكومات

نشر فى : الثلاثاء 16 يوليه 2024 - 6:30 م | آخر تحديث : الثلاثاء 16 يوليه 2024 - 6:30 م

برز التشكيل الأخير للحكومة متوافقا والمعايير السياسية والدستورية للنظم الديمقراطية، فبينما تم اختيار رئيس الوزراء من قبل السيد رئيس الجمهورية، تمكنت الحكومة الجديدة من صياغة برنامجها، وعرضه على البرلمان، فى إلمام واضح للرأى العام بمجريات الأمور مع إيضاح التوجهات القادمة والأولويات، ومن ثم تولى البرلمان دراسة هذا البرنامج وتقييمه بموجب مهامه التشريعية والرقابية، دستوريا قد لا يقبل البرلمان بالحكومة المُشكلة، فمجرد تكليف الحكومة لا يعنى اعتمادها، فالاعتمادية ترجع بالأساس إلى البرلمان، حيث السلطة التشريعية والرقابية، فقد لا يقبل البرلمان ببرنامج الحكومة، وعليه يتعين على السيد رئيس الجمهورية اختيار رئيس للحكومة من حزب الأغلبية بنفس البرلمان، ومن ثم تقدم الحكومة الثانية برنامجها، وفى حال عدم قبوله من البرلمان، يُحل البرلمان، حيث تنص المادة 146 من الدستور: «يكلف رئيس الجمهورية رئيسا لمجلس الوزراء، بتشكيل الحكومة وعرض برنامجه على مجلس النواب، فإذا لم تحصل حكومته على ثقة أغلبية أعضاء مجلس النواب خلال ثلاثين يوما على الأكثر، يكلف رئيس الجمهورية رئيسا لمجلس الوزراء بترشيح من الحزب أو الائتلاف الحائز على أكثرية مقاعد مجلس النواب، فإذا لم تحصل حكومته على ثقة أغلبية أعضاء مجلس النواب خلال ثلاثين يوما، عُد المجلس منحلا ويدعو رئيس الجمهورية لانتخاب مجلس نواب جديد خلال ستين يوما من تاريخ صدور قرار الحل. وفى جميع الأحوال يجب ألا يزيد مجموع مدد الاختيار المنصوص عليها فى هذه المادة على ستين يوما. وفى حالة حل مجلس النواب، يعرض رئيس مجلس الوزراء تشكيل حكومته، وبرنامجها على مجلس النواب الجديد فى أول اجتماع له. فى حال اختيار الحكومة من الحزب أو الائتلاف الحائز على أكثرية مقاعد مجلس النواب، يكون لرئيس الجمهورية، بالتشاور مع رئيس مجلس الوزراء، اختيار وزراء الدفاع والداخلية والخارجية والعدل».

سياسيا، فثمة حالة من التفاهمات تسود ما بين المؤسسات المصرية سواء تنفيذية أو تشريعية، فجميعها تتحرك من أجل أهداف وطنية واحدة ومحددة، وأهمها الوطن وكيفية بنائه، وفى إطار إتمام معايير وأسس النظم الديمقراطية، سيما ما تعلق باكتمال النظام السياسى للدولة بكل سلطاته.

فى هذه الأهداف تبرز السياسات العامة كونها الآليات والتى يجب وأن تنتهجها الحكومات، عبر صياغة آلية ممنهجة تستهدف بالأساس تطبيق الاستراتيجيات على نحو يضمن فعاليتها وتحقيق الاستفادة القصوى من هذه السياسات العامة وانعكاساتها على الاستراتيجيات المستهدفة، وربما إعداد هذه السياسات يتطلب حتمية تحديد الأولويات والضرورات، مع وضع الآفاق الخاصة بالأهداف، أيضا تحديد الخيارات والاحتمالات فيما يتعلق بسير العمل أو تنفيذ الخطط، وماذا لو تمت مواجهة بعض العراقيل؟ والأهم صياغة تصورات النتائج المنتظرة مع تحديد المدة الزمنية.

بمعنى أكثر دقة، فإن هذه الآلية العلمية والممنهجة والتى وجب استخدامها من قبل الحكومات، فى التعاطى مع الإشكاليات العالقة، تتلخص فى تحديد الإشكالية مع تحديد مدى إلحاحها، ثم تحديد السياسة المطلوبة فى هذا الإطار هل تنظيمية أو تعاونية؟ وهل مستحدثة أو مستجدة؟ أيضا سرعة صياغة الخيارات والسيناريوهات المختلفة والمتعددة، وبما يتناسب والرؤية العامة والاستراتيجية الموضوعة، ومن ثم التحرك فى إطار مجموعة من الإجراءات التنفيذية والبروتوكولات لتحقيق النتائج المرجوة.

غير أن من الصعب التعامل عبر هذه الآليات الممنهجة، بعيدا عن استرجاع السياسات القديمة، وتقييمها من حيث إذا كان من الممكن البناء عليها أو حتى إهمالها تماما، حال عدم إتيانها بالنتائج المرجوة، وقد يتم إعادة انتهاج بعض من هذه السياسات كونها نجحت فيما صيغت من أجله.

من الجانب الأكاديمى نتحرك إلى الجانب العملى، وبالتطبيق على الحكومة المصرية، فإن رؤية القيادة السياسية تمكنت من بلورة الأولويات، وأهمها بناء الإنسان المصرى، بالإضافة إلى الأمن القومى وكيفية صونه فى ضوء التحديات على المستويين الإقليمى والدولى، مع مراعة عدة من الملفات المهمة سياسيا حيث الحوار الوطنى وتنفيذ توصياته مع ضرورة دعم المشاركة السياسية، واقتصاديا حيث التضخم ومكافحته مع خفض الأسعار وتشديد الرقابة على الأسواق.

وربما تصريحات د. مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء اعتمدت الإشارة إلى تكملة المسيرة، سيما فيما تعلق بالتخفيف على المواطنين والمواطنات، مع التركيز على معاناتهم ووضعها محل الاهتمام، بالتالى يظل الجانب الأكاديمى وانتهاجه ضرورة ملحة للتعامل مع هذه الأولويات.

وهنا تطرأ الحاجة المُلحة لحكومة التكنوقراط، كونها كفيلة بتوظيف المنهج الأكاديمى من أجل التخديم على السياسات فى مجملها والخروج بأفضل النتائج، وهو ما يصعب قبوله أيضا بمعزل عن الحكومة السياسية، ودورها فى خلق حالة من التوازنات ما بين المنهج الأكاديمى وافتراضاته، وبين متطلبات الاستراتيجية العامة والتى تقتضى أول ما تقتضى سد احتياجات المواطن والمواطنة، وعليه فإن التشكيل الأمثل للحكومات، لا بد وأن يجمع المفهومين التكنوقراطى والسياسى.

إيريني سعيد كاتبة صحفية وباحثة أكاديمية فى العلوم السياسية
التعليقات