الأمن أصبح لغزا غريبا يستعصى على الفهم، انتهت منذ شهور المهلة التى طلبها وزير الداخلية الحالى لعودة الشرطة للشارع لكنها لم تعد بل لعلها تراجعت خطوات والنتيجة حالة من الفوضى العارمة، أهالى يقطعون طريق الاسكندرية الصحراوى والزراعى ساعات طويلة بسبب حوادث طرق.
وفى بولاق الدكرور قتل الأهالى أحد البلطجية ببشاعة وطبقوا الحد على آخر ومن قبلها حدثت جريمة مماثلة لا تقل عنها بشاعة فى محافظة كفر الشيخ، سائقو الميكروباص قطعوا شوارع بوسط البلد بسبب إتاوات البلطجية وإصابة أحدهم عندما تعرض لأحد هؤلاء البلطجية فى غياب الشرطة، عشرات المشاجرات المسلحة التى خلفت مئات الضحايا، للأسف اضطر الناس أن يأخذوا حقهم بأيديهم ويقيموا قانونهم الخاص وكأننا فى غابة، وشجع ذلك اللصوص والبلطجية على ممارسة نشاطهم وهذه المرة فى حماية الشرطة بعد أن كان هذا النشاط قد تراجع نسبيا خلال الشهور الأخيرة.
للمرة الأولى أشعر بالقلق وعدم الامان، اتصل بابنتى لأطمئن انها وصلت لعملها واظل قلقة حتى تعود، الغريب أن ذلك يحدث بعد مرور 8 اشهر على الثورة والأكثر غرابة أننى لم أكن اشعر بهذاالخوف فى أيام الثورة الأولى وحتى قبل أسابيع.
أعود بذاكرتى ليوم 28 يناير عندما كنا نحتمى أنا وابنتى ومجموعة كبيرة من الصديقات من قنابل الغاز فى بيت صديقتنا المشتركة التى تقطن بالقرب من ميدان التحرير، يومها ورغم إعلان حظر التجوال ــ قررت أن أعود إلى مسكنى بالهرم ورغم إلحاح صاحبة البيت علينا بأن نبيت ليلتنا مع باقى الصديقات إلا أننى أصررت على المغادرة لأفسح المكان للأخريات، لم أكن أشعر بالخوف من الشارع الملىء بآثار المعارك بين الأمن المركزى وشباب الثورة، كان دخان قنابل الغاز والحرائق ما زال يتصاعد والحجارة تغطى أرض الشارع، سرنا مسافة طويلة دون أن يقابلنا وسيلة انتقال، طالبتنى ابنتى بالعودة إلى منزل صديقتى، تظاهرت بعدم سماعها.
«هرم» ناديت بالخطأ على سيارة ملاكى ظننتها تاكسى، كانت تقل فتاة وسيدة كبيرة السن، وقف السائق.. ترددت.. فإذا بالفتاة تدعونى للركوب وقالت نحن ذاهبون للهرم، تشجعت ركبت وابنتى وعرفت ان صاحب السيارة يمتلك محلا بوسط المدينة وقرر أن يشارك فى الثورة بطريقته فقام بتوصيل سيدة مسنة الى مقصدها وكذلك الفتاة واكتشفت انه يقطن بالقرب من بيتى، كانت المرة الأولى التى أغامر فيها بركوب سيارة أحد لا أعرفه لكنى لم أشعر بالخوف أو القلق.
وطوال الأيام التالية ورغم تحذيرات اولادى كنت اعود بسيارتى بعد ساعات من سريان حظر التجول وكنت أحس بالأمن الشديد خاصة مع وجود اللجان الشعبية.
ماذا يحدث الآن بعد شهور طويلة من الثورة؟ وما هى مبرراته وهل يمكن أن نصدق أن هذا التراخى غير مقصود؟ وأين الحكومة من ذلك؟
ولماذا تهب الشرطة فى مواجهة المتظاهرين وأهالى الشهداء.. هل هم اخطر من البلطجية واللصوص والقتلة، الأمن أصبح أهم قضية تواجه مصر ليس لحماية الشعب فقط او لتوفير المناخ اللازم للانتخابات القادمة ولكن لاستعادة الثقة فى الاقتصاد المصرى وعودة الاستثمار المحلى والأجنبى، إن غياب الأمن هو الخطر الداهم الذى يواجه مصر الآن وليس المطالب الفئوية أو الاعتصامات والاحتجاجات.
هذه رسالة لمن يهمه الأمر.