علمانى ومسلم - أحمد الصاوى - بوابة الشروق
الجمعة 11 أبريل 2025 11:27 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

علمانى ومسلم

نشر فى : الجمعة 16 سبتمبر 2011 - 8:30 ص | آخر تحديث : الجمعة 16 سبتمبر 2011 - 8:30 ص

أصبح أردوغان «سيئا» لأنه اعترف أمام آلاف من المصريين أنه «علمانى»، ودعا إلى فصل الدين عن الدولة، آلاف الإسلاميين الذين احتشدوا لاستقباله وتحيته والفخر به باعتباره فخر النماذج «الإسلامية» الحاكمة فى مصر، انقلبوا عليه، بعضهم قال إن نصيحته لمصر بوضع دستور علمانى، هو تدخل فى الشئون الداخلية المصرية، والبعض اعتبرها نصيحة غير مقبولة، وحاول البعض أن يوحى بأن هناك خطأ واضحا فى الترجمة، لكن الرجل كرر حديثه أكثر من مرة، وقال إن الادعاء بأن نظامك «إسلامى» معناه أن تلحق كل فشل تقع فيه بالإسلام، أما أن تكون مسلما متدينا، وتدير نظاما سياسيا مدنيا يحركه الاجتهاد، فستتحمل نتائجه وحدك.

 

لكن بقدر صدمة الإسلاميين فى أردوغان، بقدر فرحة خصومهم، الذين كان بعضهم قبل زيارته، تحت ذات التأثير بأنه «إسلامى» يتركون كل عنصر باهر فى تجربته ويركزون فى القضية الكردية، وفى تعامل السلطة التركية مع الأكراد، الذين يحاربون الدولة فى إطار مطالبهم التاريخية.

أنت أمام حالة من الفهم الخاطئ والمزدوج لحالة أردوغان، خضعت للأسف الشديد هى الأخرى، للاستقطاب الحاد بين معسكر الإسلام السياسى والتيار المدنى العلمانى، مثل كل الأشياء التى يجرى العراك عليها، وأحيانا لى عنقها لتناسب هذه الدعوات أو تلك.

 

لكن الحقيقة الواضحة أمامك، أن المرء يمكن أن يكون مثل أردوغان، «علمانى» يؤمن بالحقوق المدنية المتساوية للجميع، ويؤمن بمفهوم الدولة المحايدة التى لا تميز بين مواطنيها بسبب دين أو لون أو جنس، يؤمن بأن الدولة ملك جميع مواطنيها، ولأنها كيان اعتبارى من اختراع الإنسان لتنظيم حياته، فلا يجوز أن يكون لها دين تعتقد فيه، الواجب أن تقدر وتجل أديان مواطنيها على السواء، وأن تحضهم على تدين لا ينفى الآخر، ولا يحرض عليه، لا أن تتفرغ هى للعبادة وممارسة الوعظ والإرشاد.

 

كما أن المرء يمكن أيضا أن يكون مثل أردوغان «مسلما».. لا ينفصل عن ثقافته التى يشكل الدين عمودا فقريا فى بنائها، يحترم عقيدته، ولديه ولاء مفرط لها، وينعكس تدينه بشكل مباشر على أخلاقه، وعلى أدائه الوظيفى وتعاملاته مع الناس، وفى الوقت نفسه لا يستدعى الدين ونصوصه ورجاله لحسم مشاكل سياسية فى مجتمع تعددى ثقافيا ودينيا وسياسيا، يطبق الإسلام وأخلاقه وقيمه فى معاملاته، ولا يختزل ذلك فى مظهره، لم يفرض الحجاب على النساء لكنه يظهر فى كل مكان بزوجة محجبة يمكن أن تتخذها النساء قدوة دون توجيه.

 

ليس كل علمانى إذن «منحلا» لا يؤمن بقداسة الأديان، ويدعو للفجور والإثم والعصيان ومعصية الرسول، كما أنه ليس كل متدين ملتزما، متطرفا وإرهابيا وفاشيا، العلمانية ليست «كفرا»، كما أن الالتزام الدينى ليس «إرهابا» وإذ كان هناك فى هذا الطرف أو ذاك من ينحرف بالمسألة ويوغل فى التطرف، فهذا لا يعنى إطلاقا أن الجميع موغل فى التطرف.

 

الصدمة التى أحدثها أردوغان أنه ظهر أمامنا كإنسان طبيعى علاقته بربه مسألة تخصه وحده، وتدينه مسألة تخص علاقاته ومعاملاته مع الآخرين، وعلمانيته منهج عمل وإدارة، تستمد شرعيتها من الكفاءة وليس النصوص.. هذا والله أعلم

أحمد الصاوى كاتب صحفي
التعليقات