هل نرفض المساعدات العسكرية لمصر؟ - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الأحد 22 ديسمبر 2024 3:36 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل نرفض المساعدات العسكرية لمصر؟

نشر فى : الأحد 16 أكتوبر 2011 - 9:20 ص | آخر تحديث : الأحد 16 أكتوبر 2011 - 9:20 ص

فى عالم السياسة لا تقدم الدول لبعضها البعض مساعدات مجانية أو بدون مقابل، فالمصالح هى ما يجمع بين الدول، وهذه المصالح قليلها مستمر ومستقر، وأكثرها متغير وغير ثابت.

 

ارتضت مصر خلال حكم الرئيس السابق حسنى مبارك قبول مساعدات عسكرية واقتصادية أمريكية رغم ارتباط ذلك بلعب دور إقليمى لا يخدم مصالح مصر الإستراتيجية فى أغلب الأحوال، فعلى سبيل المثال، ارتضى النظام المصرى أن يجمعه علاقات خاصة مع إسرائيل، وفى نفس الوقت يعادى منظمة حماس وحزب الله، وهو ما جعل منظمة آيباك، أكبر منظمات اللوبى الإسرائيلى، تقوم فى مناسبات كثيرة بالدفاع عن النظام المصرى داخل أروقة الكونجرس.

 

اختارت مصر أن تكون شريكا استراتيجيا لواشنطن منذ انتهاء حرب أكتوبر، وتوفر هذه الشراكة للولايات المتحدة مصدر قوة فريدا، فمصر تتمتع بموقع جيو ــ إستراتيجى مميز، وتتحكم فى واحد من أهم الممرات المائية فى العالم. ودفع ذلك مايك مولين، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأسبق لتحذير الكونجرس من خطأ «تخفيض المساعدات العسكرية لمصر» مؤكدا أنها «ذات قيمة عالية جدا» للولايات المتحدة. ولا تستطيع دولة أخرى تقوم بما تقوم به مصر من خدمة للمصالح الأمريكية فى الشرق الأوسط.

 

وتبلغ قيمة المساعدات العسكرية الأمريكية المقدمة لمصر سنويا 1.3 مليار دولار، وبدأت مصر فى تلقيها عام 1979 إثر توقيعها معاهدة السلام مع إسرائيل. ومنذ ذلك الحين حصلت مصر على إجمالى مساعدات مختلفة يبلغ 71.6 مليار دولار طبقا لدراسة صدرت الشهر الماضى عن مركز أبحاث الكونجرس.

 

ومنذ سقوط نظام الرئيس مبارك، لا يترك اللاعبون الرئيسيون فى حلبة السياسة الأمريكية أية فرصة دون التلويح بورقة المساعدات العسكرية من وقت إلى آخر للتأثير على السياسة المصرية. وطالبت دوائر واشنطن بضرورة استخدام كارت المساعدات العسكرية المقدمة للقوات المسلحة المصرية، والتى تحكم بدورها البلاد ممثلة فى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وذلك باستخدام سلاح المشروطية من أجل اتباع نهج معين أو من أجل تحقيق أهداف خاصة.

 

ويدرس مجلس الشيوخ الأمريكى حاليا مشروع قرار يهدف إلى فرض مجموعة من الشروط على مصر حتى تستمر الإدارة الأمريكية فى تقديم المساعدات العسكرية، ونص مشروع القرار 1601 المعروض أمام مجلس الشيوخ على مطالبة وزيرة الخارجية أن تقدم تقريرا للمجلس يؤكد موافقة مصر على أن تستخدم هذه المساعدات لدعم المصالح الأمريكية داخل مصر وفى المنطقة، إضافة لعدة شروط أخرى يتعلق بعضها بأمن سيناء وحماية حقوق الإنسان.

 

وهذا التلويح بورقة المساعدات ليس الأول من نوعه، ففى إطار مساعى الجمهوريين لخفض الإنفاق الحكومى قدم فى 22 يوليو الماضى مشروعا يهدف لتعليق المساعدات المقدمة إلى مصر فى حالة عدم تنفيذها لاتفاقية السلام مع إسرائيل. كما تعالت أصوات تطالب بوقف المساعدات إذا ما أسفرت الانتخابات القادمة على مشاركة الإخوان فى حكم مصر.

 

وفى إطار ردود الأفعال المتتالية على أحداث ماسبيرو المشينة، والتى نتج عنها سقوط 26 قتيلا وإصابة المئات من بين صفوف المتظاهرين وصفوف قوات الأمن، طالبت اللجنة الأمريكية للحريات الدينية إدارة أوباما بتخصيص جزء من المساعدات الأمريكية المقدمة للحكومة المصرية لتحسين أمن وسلامة الأقليات الدينية فى مصر. وأشار ليونارد ليو، رئيس اللجنة، لضرورة توجيه جزء من مبلغ المساعدات العسكرية لحماية الأقليات الدينية المسيحية والشيعية، والبهائية، والصوفية، وأماكن عبادتهم.

 

كذلك خرجت دعوة من معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى تطالب الرئيس أوباما بالتدخل لدى الناخب المصرى. ويرى روبرت ساتلوف مدير المعهد أن الرئيس الأمريكى الذى اختار وذهب فى إلى القاهرة لتدشين حوار مع المسلمين حول العالم بخطابه الهام فى جامعة القاهرة عام 2009، عليه اليوم أن يذكر المصريين بما هو على المحك فى اختيارهم للزعماء السياسيين وأن يذكر لهؤلاء الزعماء أن خياراتهم لها عواقب.

 

وجاءت كلمات الرئيس أوباما، فى خطابه عن ثورات العرب يوم 19 مايو الماضى، لتؤكد أن أمام بلاده بابًا مفتوحًا من أجل بسط نفوذ أمريكى أوسع فى الشرق الأوسط فى صور جديدة، قائلا «إن هناك الآن فرصة تاريخية لدعم المصالح الأمريكية»، وأضاف أوباما بعد ذلك «يجب علينا أيضا مواصلة جهودنا لتوسيع نطاق مشاركتنا خارج دوائر النخب، بحيث نصل إلى الناس الذين سيشكلون المستقبل»، معبرا بذلك عن رغبة واضحة فى فرض نفوذ أمريكى على اختيارات شعوب المنطقة. الشعب المصرى لديه مخاوف وتوجسات مبررة مما تحصل عليه واشنطن مقابل هذه المساعدات، ولا يجب أن يتجاهل المجلس الأعلى استطلاع الرأى العام الذى أجراه معهد جالوب الأمريكى منذ ثلاثة أشهر وأظهر أن أكثر من ثلثى المصريين قلقون من التدخل الأمريكى المحتمل فى شئونهم السياسية، كما عبر 81.5% من المصريين فيه عن رفضهم تقديم واشنطن مساعدات مالية لجماعات المجتمع المدنى وللجماعات السياسية الأخرى.

 

وتؤكد الوزيرة فايزة أبوالنجا منذ سقوط نظام الرئيس السابق أنه «إذا ما تم استخدام المساعدات الخارجية كأداة ضغط على مصر من أى طرف كان، فنحن فى غنى تام عن هذه المساعدات... وأن الشعب المصرى والدولة المصرية تضع سيادة وكرامة مصر فوق كل اعتبار». ومن هذا المنطلق رفضت مصر قرضا من البنك الدولى ومن صندوق النقد الدولى بسبب الشروط التى لا تتناسب مع المصلحة الوطنية. وقالت الوزيرة أبوالنجا إن الحكومة الحالية لا تخضع لأى شروط، وأنها تضع المصلحة العليا للبلاد بعد الثورة قبل أى اعتبار آخر.

 

ولم تعد المساعدات الأمريكية ذات قيمة كبيرة ولم يعد لها تأثير فى حجم الاقتصاد المصرى، فعندما بدأ تدفق المساعدات الأمريكية فى عام 1981، كانت المنحة العسكرية السنوية تساوى أكثر من 5% من الناتج المحلى الإجمالى لمصر. وقد أصبحت تلك المنحة أقل من ربع بالمائة 0.25 % فى عام 2010.

 

لماذا لا يبادر المجلس الأعلى للقوات المسلحة ويطلب من إدارة الرئيس باراك أوباما توجيه كل أموال برامج المساعدات العسكرية والاقتصادية لعام 2012 نحو خطة طموحة للقضاء مرة واحدة ونهائية على أمية اللغة العربية لدى 21 مليون مصرى، أو لماذا لا يريحنا المجلس الأعلى ويريح المتربصين بمصر داخل الولايات المتحدة ويرفض كل المساعدات جملة وتفصيلا.  

محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات