يقرأ الإنسان ملايين الكلمات على مر أيام عمره إذا ما كان شغوفا بالقراءة. منها ما ينقش على الماء وبعضها يظل نقشا على الحجر. مما ظل ماثلا فى ذاكرتى وأظن فى ذاكرة الكثيرين من هذا الجيل قصة الكاتب البديع محمد عبدالحليم عبدالله شجرة اللبلاب.
للتذكرة هى إحدى قصص الأدب النفسى التى نسج فيها عبدالله غلالة من الشك كثيفة حول شخصية طفل شهد خيانة زوجة أبيه فظلت تلازمه الظنون فى كل امرأة حتى وقعت فى إساره شابة بريئة رأى فى تسليمها له استمرارا لاعتقاده بسوء خلق المرأة ورأت هى فى ذلك تضحية فى سبيل أول من دق باب قلبها لكنها حينما أدركت حقيقة الأمر قتلها الألم فانتحرت.
من منا يمكنه أن ينسى تلك العيون التى يذوب فى صفائها صدق العالم حينما فاضت دموعها فى فيلم «عاشت للحب» عن قصة شجرة اللبلاب بطولة مثل الجمال الراقى زبيدة ثروت وكمال الشناوى.
رغم أن ذاكرتى تعى الكثير من إبداعات محمد عبدالحليم عبدالله وأفلام زبيدة ثروت إلا أن شجرة اللبلاب كانت أولى الصور التى أشرقت فى عقلى حينما قرأت خبر رحيلها عن عالمنا. لم تكتف الجميلة بما تركته لنا من صور مختلفة لممثلة مجتهدة لم تعتمد على ماحباها الله سبحانه من ملامح جميلة وعيون صافية زرقاء ربما لم تتكرر على شاشة السينما المصرية إنما كان لها حصادها الخاص من اجتهادها فى الأداء والتعبير.
كان للجميلة رسالة أخيرة بعيدا عن التمثيل والدراما رسالة إنسانية لا تصدر إلا عن نفس لا تقل جمالا عن ملامحها. اختارت زبيدة ثروت الإنسان أن تبعث برسالة خالصة الصدق لشباب هذا الجيل والذى منه ابنتها وحفيدها اللذان سارا وراءها إلى مقرها الأخير.
«أرجو أن تقوموا بتوعية كل أبنائها بماقطعة التدخين. أنا أصبت بسرطان الرئة نتيجة إصرارى على التدخين بشراهة وأنا نادمة تماما على ذلك الآن. توقفوا عن التدخين والتفتوا إلى سلامتكم».
جاء هذا على لسان زبيدة ثروت فى آخر أيام حياتها فى لقاء تليفزيونى طلبته بنفسها بعد انقطاع لسنوات طويلة عن الظهور فى وسائل الإعلام.
ومن الواضح أنها حينما أحست بدنو أجلها أرادت أن ترسل رسالة رأت أنها أكثر أهمية من تلك الرسالة التى أتمتها فى الفن والدراما.
وداعًا جميلة السينما المصرية، لكِ رسائل كثيرة مثل يوم من عمرى، حادثة شرف، وغيرها إن نسيناها فلا يمكن أن ننسى أبدا صفاء تلك العينين ورسائلك المتميزة.