لو كنت من الجيل اللى قضى طفولته فى الثمانينيات والتسعينيات، إذن فأنت إنسان محظوظ، الحياة كانت أبسط بكتير لكن فى نفس الوقت كانت بتدعونا للسعادة أسباب كتير، حاجات دلوقتى تبان قليلة، لكن أيامها كنا بنعرف نستمتع بالقليل.
كان مسموحلنا نلعب فى الشارع، كان لسه فيه مكان لركوب العجل وللعب ماتشات الكورة، كانت حلقتين من توم وجيرى وحلقة من مازينجر بيرسموا ابتسامة على وشوشنا أسبوع بحاله، كنا بنستمتع بقناتين بس فى التليفزيون رغم إنهم ما كانوش بيعرضوا غير مسلسلات تيسير فهمى أو أحمد عبدالعزيز. وأياميها ورغم فقر الإمكانيات كان فيه أوبريتات وبرامج بتنتج مخصوص للأطفال مش بس كارتون مدبلج أو أغانى لنجمات إغراء، صحيح معظم برامج الأطفال كان هدفها المباشر نشر الغباء والقضاء على أسطورة الطفل المصرى اللى هو أذكى طفل فى العالم زى ما سهير شلبى كانت بتقول فى اليوم المفتوح.
لكن الشهادة لله الأوبريتات والأعمال الغنائية كان بيبقى فيها هدف وليها معنى وعشان كده لسه عايشة فى ذكرياتنا بعد سنين وسنين، حد فيكم فاكر أوبريت اللعبة؟.. أفكركم بيه، يفتتح الأوبريت ونشوف أخ وأخت بيلعبوا فى أوضتهم بألعاب مختلفة، يلعب الولد بالقطر، تلعب الفتاة بالدبدوب، وبعدها تروح البنت تشيل العروسة إلا أن الولد يجرى يشدها ناحيته بعنف «إوعى سيبى اللعبة بتاعتى.. لأ دى بتاعتى.. يا سلام يا اختى.. ما تشدش ما تشديش إنتى «لحد ما تتقطع اللعبة وتخرج من جواها «نيللى»، بالتأكيد إنت حافظ الأوبريت أو على الأقل فاكر كلمات صلاح جاهين الجميلة ومشهد الأخ والأخت اللى بيشدوا اللعبة لحد ما اتقطعت وهو المشهد اللى بينط قدام عينى كل ما بتابع اللى بيحصل على الساحة اليومين دول، اللى بيسميه البعض خناقة على تقسيم التورتة أو تسابق على ركوب الموجة، بشوفه أنا بوضوح فى صورة عدد من الأطفال اللى بيشدوا فى العروسة من اتجاهات مختلفة وكل واحد فيهم شايف إنه هو الأحق بيها وإن الباقيين ما هم إلا مجرد خونة وأندال، بس يا ليبرالى يا عدو الله، إخرس يا إسلامى يا متخلف، يا يسارى يا اللى عايز تعيش على عرق الأغنيا، يا إخوانى يا اللى بتلعب من تحت الترابيزة، ولو إنت شكلك فلول، ده عيل سيس من بتوع الثورة، الاعتصام يا اللى بعتوا بالرخيص، الاستقرار يا اللى خربتوها، وكل الأطراف بتحكم على بعضهما بطريقة أبيض وأسود، ملايكة وشياطين، إحنا والناس التانيين، ما تسمعش حد مثلا يقول، الإخوان جزء من الثورة ويستحقوا كل احترام رغم إننا بنختلف معاهم فى كذا، أو على الجانب الآخر حد يقول الليبراليين شركاءنا فى الوطن ومبادئهم مبادئ سامية وبنتفق معاهم فيها ما عدا كذا، النوع ده من احترام الخصم حتى لو بتختلف معاه مفقود حاليا فى بلدنا اللى تحولت ساحتها السياسية لمشتمة، يتفنن كل طرف فيها فى التنكيل المعنوى بالأطراف الباقية ظنا منه إن هى دى الطريقة المثلى للفوز فى معركة سياسية بتدار بطريقة أقل ما يقال عنها إنها مؤسفة.
صحيح إن إحنا يا دوب فى سنة أولى ديمقراطية، وصحيح برضه إن كل فصيل فينا حاسس بالمسؤلية وأعضاءه شايفين إننا لو اتلفتنا البلد هتضيع مننا، صحيح إننا كشعوب بحر متوسطية أعصابنا بتفلت ودمنا بيفور وخناقاتنا دايما بتبقى مليانة انفعال وشتايم وخناقات بالإيد حتى ولو على حاجة صغيرة، بس دى مش خناقة، دى بلد، فيها اتجاهات كتيرة، بعد ما ينفض المولد هتبقى مضطرة تتعايش تانى مع بعضها، لو استمرت المعركة بنفس الطريقة، لو استمرت الكراهية فى التنامى والتجذر فى نفوسنا كلنا، ممكن يحصل ما لا يحمد عقباه، ممكن اللعبة اللى بنتخانق عليها تتحول لأجزاء مهلهلة، لأشلاء تفضل دايما متبعترة ولا يمكن تتجمع فى كيان واحد متماسك يقدر يعدى مرحلة حرجة بتراقبنا فيها أطراف كتيرة عشان تاخدنا قدوة، وأطراف تانية مستنيانا نقع.