بعض المواطنين الذين كانوا متسمرين أمام برامج «التوك شو» فى المحطات التليفزيونية انصرفوا عنها الآن إلى برامج أو فضائيات أخرى خصوصا تلك التى تقدم أفلاما أجنبية كانت أم محلية بالأبيض والأسود، أو برامج المسابقات الغنائية التى صارت موضة، بعد أن اجتذبت الناس والإعلانات معا.
قبل أيام قرأت تعليقا لزميلة صحفية على صفحتها على الفيس بوك تقول فيه إن برنامج مسابقات غنائية على إحدى الفضائيات العربية الموجهة لمصر صار متعتها الوحيدة بعد أن هجرت البرامج السياسية.
كنت أعتقد أن كلام الزميلة مجرد إحباط شخصى، لكننى اكتشفت أنه شعور عام بين عدد كبير من الزملاء والأصدقاء والمعارف.
ما أقوله ليس استطلاعا علميا دقيقا للرأى العام، لكه يعبر عن «حالة ما» صارت تنتشر وتتزايد وسط الكثير من المصريين.
المصريون مدينون لثورة 25 يناير بالكثير. من بين هذا الكثير أنها جعلت غالبية المواطنين يهتمون بالسياسة بعد أن كادوا يهجرونها ويبتعدون عنها، ولو أنفقت الدولة مليارات الجنيهات على برامج التوعية السياسية كى تجذب الناس للسياسة ما نجحت بمثل الطريقة التى وفرتها ثورة 25 يناير.
تفاءل المصريون كثيرا، وبعضهم ضحى كثيرا ،أعرف أشخاصا خسروا وظائفهم بسبب الثورة، ولم يكن أحد ليلومهم لو أنهم صاروا خصوما لها، ورغم ذلك لم يفعلوا وجلسوا أمام شاشات برامج «التوك شو» منتظرين اليوم الذى تهدأ فيه الأوضاع وتعود إلى طبيعتها، ولم يأت هذا اليوم بعد، فبدأ بعضهم يصاب بالإحباط.
هذا الشعور ليس سببه فقط الارتباك السياسى الحاصل أو شعور بعض الناس بعدم الأمان، لكن سببه الجوهرى هو أن بعض هذه البرامج قد تحولت إلى وسيلة للتنكيد على المشاهدين الذين ردوا عليها بمقاطعتها.
التعميم مكروه فى كل شىء خصوصا فى هذا المجال. لدينا برامج جادة وتحترم عقول الناس، لكن مثل هذه النوعية صارت للأسف تقل يوما بعد يوم مفسحة الطريق أمام برامج الهجامة وقاطعى الطريق.
ولذلك يصبح السؤال هو: ما هو الشىء الخطير الذى يدفع مواطنا إلى مقاطعة بعض برامج التوك شو التى تتحدث عن واقعه ويفضل مشاهدة فيلم قديم، خصوصا إذا كان من بين أبطاله إسماعيل ياسين وعبدالفتاح القصرى وعبدالسلام النابلسى وحسن فايق وتوفيق الدقن؟.
الإجابة هى أن المواطن إما أنه «قرف» من هذه البرامج أو يئس منها لأنها صارت تمثل عبئا عليه وعلى أعصابه.
أتمنى أن تكون هذه الحالة غير صحيحة أو حتى مؤقتة لأنها تستند فقط إلى مجرد مشاهدات أو استنتاجات.
لو صح أن هذه الحالة حقيقية فتلك مشكلة كبرى لأنها تعنى ببساطة أن الناس أصيبوا باليأس وقرروا العودة إلى حزبهم المفضل والأكبر فى كل مصر وهو حزب الكنبة.
أسوأ شىء أن يرتد المصريون ويكفرون بالسياسة ويعودون مرة أخرى إلى التقوقع والانعزال وهجران السياسة باعتبارها عملا ميئوسا منه.
مطلوب من الحكومة ووسائل الإعلام أن يبذلوا جهدا حقيقيا لاستعادة المواطن أو المشاهد.
الحكومة عليها أن تترك بصمات على الأرض لتقنع المواطن أن السياسة ليس عملا سيئا بالضرورة، والإعلام عليه أن يعود لوظيفته الوحيدة وهى تقديم الأخبار والمعلومات وكل وجهات النظر وأن يترك للمشاهد أو القارئ تكوين رأيه بكل حرية.