فى الأشهر الأولى من عام 2024، أظهرت استطلاعات الرأى بعض النتائج المربكة. والآن، تظهر بعض الاستطلاعات أن الناخبات والناخبين (الشباب) منقسمون، بعدما كانوا يدعمون بايدن بفارق كبير فى عام 2020، ويبدو أن السود منهم أصبحوا أكثر تأييدًا لترامب! لكن لا تتفق جميع الاستطلاعات مع هذه الأرقام، الأمر الذى يجعل من الصعب إنشاء صورة واضحة حول سباق 2024. لكن بطريقة ما، تتفق استطلاعات الرأى على أن أداء دونالد ترامب أفضل بكثير مع الناخبين والناخبات الأقل نشاطًا وحماسًا بشأن انتخابات 2024.
فى موقع Vox، يقول إريك ليفيتز (صحفى متخصص فى القضايا السياسية لا سيما المسائل التى تقسم اليسار واليمين الأمريكى): إن الميزة التى يتمتع بها ترامب بين هؤلاء -الأقل اهتمامًا بالانتخابات- ترجع إلى مشاعر عدم الثقة العميقة والدائمة لديهم. وأضاف: «أعاد ترامب تعريف الحزب الجمهورى فى عيون العديد، وربط الحزب برؤية مصابة بجنون العظمة حول الحياة الأمريكية وازدراء شعبوى للنظام السياسى فى البلاد». وردًا على ذلك، احتشد الحزب الديمقراطى للدفاع عن عظمة أمريكا وأعرافها ومؤسساتها. ومع استقطاب الحزبين حول مسألة ما إذا كانت أمريكا «عظيمة بالفعل»، أصبح الناخبات والناخبون الذين يتمتعون بمستويات عالية من الثقة الاجتماعية والإيمان بالنظام السياسى أكثر ميلًا للحزب الديمقراطى، فى حين أصبح أولئك الذين يتمتعون بثقة اجتماعية منخفضة وقليل من الثقة فى الحكومة أكثر جمهورية.43 بالمائة من الذين يعتقدون أنه لا يمكن الوثوق بالناس لديهم وجهة نظر إيجابية تجاه ترامب مقارنة بـ28 بالمائة ممن يقولون إن الناس جديرون بالثقة بشكل عام. أما البيض الذين لديهم مستويات منخفضة من الثقة لديهم وجهة نظر أكثر إيجابية تجاه ترامب (55% لديهم رأى إيجابى عنه).
هذه النظرية مُقْنعة، لماذا؟. لأنه قبل أربع سنوات (انتخابات 2020)، أظهر استطلاع أن الناخبات والناخبين المنعزلين اجتماعيا كانوا أكثر ميلًا إلى النظر لترامب بشكل إيجابى ودعم إعادة انتخابه مقارنة بأولئك الذين لديهم علاقات شخصية أكثر قوة». لكن ترامب يتفوق أيضًا على بايدن بين بعض الأمريكيين والأمريكيات الأكثر نشاطًا دينيًا. فالبروتستانت الإنجيليون البيض هم أكثر مؤيدى ترامب ولاءً، وتستمر جماعة «قديسى الأيام الأخيرة»، وهى المجموعة التى تتمتع بمستويات غير مسبوقة من المشاركة المدنية، فى دعمه بأعداد كبيرة. فى المقابل، يظل غير النشطين دينيًا، وهم المجموعة التى تميل إلى أن تكون أكثر انفصالًا وانعدام ثقة، داعمين بشدة لبايدن.
• • •
هناك شىء آخر يزيد من دعم ترامب وهو التشاؤم. كسر دونالد ترامب التقاليد والسلوك الرئاسى، لكن الجانب الذى تم التغاضى عنه فى رؤية ترامب للعالم هو مدى تشاؤمه بشأن مستقبل أمريكا. إذ منذ اللحظات الأولى لحملته الانتخابية، أكد باستمرار أن الولايات المتحدة تتجه نحو «الكارثة». وفى خطاب أمام مؤتمر العمل السياسى المحافظ، قال إن الولايات المتحدة «أمة فاشلة»، وإنها تنحدر إلى بالوعة الخراب، وإننا "نعيش فى الجحيم الآن".
يمثل هذا الخطاب خروجًا جذريًا عن الطريقة التى تحدث بها أسلافه عن بلادهم. ففى خطاب تنصيبه الأول، سعى بيل كلينتون إلى الاحتفال بالتجديد الأمريكى، زاعمًا أنه لا يوجد شىء خاطئ فى أمريكا لا يمكن علاجه بما هو صحيح فى أمريكا. أما رونالد ريجان، فكان الموضوع الرئيسى لحملة إعادة انتخابه عام 1984 هو أكثر فخرًا وأقوى وأفضل. بدأ إعلان حملته الافتتاحية بالعبارة التى لا تنسى، «إنه الصباح مرة أخرى فى أمريكا»، وأكد أن الأمور تتحسن. من جانبه، أعرب السيناتور آنذاك -باراك أوباما- فى خطابه الذى ألقاه فى المؤتمر الديمقراطى عام 2004، عن شعوره بالفخر بأمريكا ورؤيته لسياسة مفعمة بالأمل، قائلًا: «فى النهاية، هذه هى أعظم هدية من الله لنا، حجر الأساس لهذه الأمة. الإيمان بالأشياء التى لا ترى. الإيمان بأن هناك أيامًا أفضل فى المستقبل». كما سعى جورج بوش الابن إلى إقناع الأمة الأمريكية بتبنى رؤية الأمل والتقدم، زاعمًا الحجة القائلة بأن التشاؤم لم يخلق فرص العمل أبدًا». وقال ببساطة: «أنا متفائل بشأن أمريكا لأننى أؤمن بالشعب الأمريكى». واليوم، يحاول بايدن استعادة هذا التقليد من التفاؤل المفعم بالأمل. ففى خطابه عن حالة الاتحاد، فى وقت سابق، من هذا العام، تحدث الرئيس الأمريكى بنبرة متفائلة: «مستقبلنا أكثر إشراقًا»، كما قال: «إن الشعب الأمريكى يكتب أعظم قصة عودة لم يتم سردها على الإطلاق».
• • •
يشعر عدد أقل من الشعب الأمريكى بالتفاؤل بشأن مستقبل البلاد. وفى استطلاع جديد أجراه مركز «استطلاع الحياة الأمريكية»، وجد أن 58% قالوا إن أفضل أيام البلاد قد انتهت. وقال 40% فقط إن أفضل أيام أمريكا تنتظرهم. ويمثل هذا تحولًا صارخًا خلال السنوات القليلة الماضية. ففى المرة الأخيرة التى طرح فيها المركز هذا السؤال، قالت الأغلبية (54%) إن أفضل أيامنا لم تأتِ بعد. طبعًا هذا التحول أكثر وضوحًا بين الجمهوريين والجمهوريات الذين تبنوا رؤية قاتمة لمستقبل أمريكا. ويعتقد سبعون فى المئة منهم الآن أن أفضل أيام البلاد قد ولت منذ زمن طويل.
رغم أن مصطلح «هلاك» أو «انهيار» العظمة الأمريكية أصبح شائعًا فى الخطاب الأمريكى، فإن ترامب هو واحد من المروجين الرئيسيين للتشاؤم السياسى. والأكثر ميلًا إلى السلبية فى الولايات المتحدة اليوم هم الأكثر دعمًا لترشيح ترامب. وبشكل أساسى، يعد «التشاؤم» مؤشرًا أقوى من «الثقة» لقياس التفضيلات التصويتية. فمثلًا الناخبات والناخبون المتفائلون بمستقبل أمريكا يدعمون جو بايدن على دونالد ترامب بفارق لا يصدق يبلغ 36 نقطة (68 بالمائة مقابل 32 بالمائة). وفى الوقت نفسه، يفضل الأفراد المتشائمون ترامب بفارق كبير.
ومع ذلك، لا يمكن نسب التشاؤم إلى الحزب الجمهورى -تحديدًا- لأنه - فى عموم الأمر- يعبر عن قدر أكبر من السخرية مقارنة بالحزب الديمقراطى حينما يتعلق الأمر بحالة البلاد. ومن المرجح أن ينشق المتفائلون الجمهوريون عن ترامب فى انتخابات هذا العام. إن 86% من الجمهوريين الذين يقولون إن أفضل أيام أمريكا قد انتهت، يدعمون ترامب حاليًا، مقارنة بـ76% من الجمهوريين الذين يقولون إن أفضل الأيام لم تأتِ بعد.
• • •
كلمة أخيرة، الحلم الأمريكى مدعوم بالتفاؤل. ولكن الإيمان بالحلم الأمريكى يتعثر، ومن المؤكد أن التحول الدراماتيكى فى الخطاب الرئاسى لا يغرس الثقة. فلهجة ترامب السلبية والمروعة التى لا هوادة فيها تجعل الولايات المتحدة أصغر حجما، وأكثر تشاؤمًا، وأنانية، وانقسامًا. فقد قوض خطابه واحدة من نقاط القوة الأساسية التى تتمتع بها أمريكا، وهى الإيمان بأن لديها إمكانات تكاد لا حدود لها لجعل الأمور أفضل للبلاد، والأسر، والمجتمع. لذا، يستحق الشعب الأمريكى أن يسمع من كلا المرشحين ليس فقط ما هو الخطأ، بل أيضًا ما يعتقدان أنه صواب لرفع الروح المعنوية.
دانيال أ. كوكس
The Survey Center on American Life
ترجمة: ياسمين عبداللطيف
النص الأصلى: