مصر.. واستعادة مفهوم الأمن القومي العربي - قضايا إستراتيجية - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 4:32 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مصر.. واستعادة مفهوم الأمن القومي العربي

نشر فى : الثلاثاء 17 أكتوبر 2023 - 8:35 م | آخر تحديث : الثلاثاء 17 أكتوبر 2023 - 8:35 م

نشر المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية مقالا للكاتبة رحاب الزيادى، ناقشت فيه مفهوم الأمن القومى العربى مشيرة إلى التهديدات المحيطة بالمنطقة العربية ودور مصر فى مساندة أشقائها العرب فى خضم هذه التهديدات... نعرض من المقال ما يلى.. 

عكست رسائل الرئيس «عبدالفتاح السيسى» فى كلمته بحفل تخرج طلبة الكليات العسكرية فى 12 أكتوبر الحالى، الرؤية المصرية تجاه التهديدات التى تحيط بالأمن القومى العربى، والثوابت المصرية تجاه حل الأزمات العربية التى تنطلق من إعلاء صوت العقل والحكمة، واللجوء إلى المسار التفاوضى والسياسى لإنهاء الأزمات الحالية، فضلا عن استعداد مصر للوساطة والتنسيق مع جميع الأطراف الإقليمية والدولية لحل القضايا العالقة، ويتسق ذلك مع مكانة ودور مصر التاريخى فى حماية الأمن القومى العربى والشواهد التاريخية فى ذلك كثيرة سواء عبر دعم مصر لتحرير الكويت أو مساندة العراق أثناء الحرب العراقية ــ الإيرانية، كذلك مساندة الدول العربية لمصر فى حرب أكتوبر، بالإضافة إلى استمرارية هذا الدور المحورى لمصر فى الحاضر والمستقبل. وعليه يناقش التحليل مفهوم الأمن القومى العربى وطبيعة التهديدات ودور مصر فى حماية هذا الأمن. 

• • •

يعد إنشاء منظمة جامعة الدول العربية فى مارس 1945 بداية لصياغة مفهوم أمن قومى عربى مشترك وكيان مؤسسى يعبر عن إرادة ورؤية هذه الدول، وقد وقعت الدول العربية على معاهدة الدفاع العربى المشترك والتعاون الاقتصادى 1950 للتعاون فى مجال الدفاع، ومع اندلاع حرب أكتوبر 1973 والتى عكست التنسيق العربى والرؤية المشتركة تجاه هذا الأمن، وحرص هذه الدول على حمايته، وقد تجلى ذلك فى تنسيق وتعاون استراتيجى بين مصر وسوريا والاتفاق على بدء الحرب المشتركة ضد إسرائيل لتحرير سيناء والجولان، ودعمهما آنذاك الموقف العربى الموحد بقرار الدول العربية المنتجة للنفط، والتى حظرت تصديره إلى الدول المعادية للعرب والموالية لإسرائيل، فضلا عن القوات العسكرية العربية التى تمركزت فى الأردن وعلى ضفة قناة السويس، والمعدات العسكرية التى قدمتها الدول العربية لدولتى المواجهة (مصر وسوريا). 

• • •

بدأت ملامح التهديد تتضح مع بروز إسرائيل التى تحتل الأراضى العربية، وأطماع القوى الإقليمية غير العربية وتدخلاتها فى شئون المنطقة بتدخل إيران فى اليمن والعراق ولبنان وسوريا، وكذلك تركيا فى سوريا وليبيا ورغبتها فى فرض مشاريعها للهيمنة الإقليمية، فضلا عن تحدى الإرهاب، وأهداف القوى الدولية فى تقسيم الدول العربية فيما عرف «بمشروع الشرق الأوسط الكبير» بحيث تدخل إسرائيل فى معادلة النظام الإقليمى العربى، وتوالت الأزمات التى هددت منظومة الأمن القومى العربى لاسيما مع الغزو الأمريكى للعراق فى عام 2003 ثم الأزمات اللاحقة عقب الثورات فى كل من سوريا وليبيا واليمن ولبنان والسودان، يضاف إلى ذلك حالة الاستقطاب بين القوى الدولية تجاه المنطقة سواء محور الولايات المتحدة والدول الأوروبية فى مواجهة محور الصين وروسيا.

ومع بروز هذه المتغيرات الجديدة؛ شهدنا تحولا فى المنظور العربى للأمن باختلاف مصالح الدول وأولوياتها، إذ واجهت الدول العربية إشكالية فى تبنى مفهوم موحد للأمن، حيث إن كل دولة لها اعتبارات مختلفة للأمن، فأحيانا ما تنادى بعض الدول بأهمية الشرق أوسطية عندما لا يكون ميزان القوى فى غير صالحها داخل المنظومة العربية، فتبدأ فى الدفع بروابط المذهب والدين كما البعض مع إيران وتركيا. أو تدفع بروابط التجارة والأمن والمال والتقارب مع قوى دولية أو إقليمية غير عربية مثل علاقات التطبيع مع إسرائيل أو بروابط الجوار المشترك كما مع إثيوبيا، وهو ما أطلقت عليه الأدبيات العربية صراع ما بين القومية العربية والجيواستراتيجية الشرق أوسطية.

 مهد هذا الاختلاف إلى بروز تحديات جسيمة أمام هذه الدول خاصة أن الأمن له أبعاد عديدة، بالإضافة إلى تفاقم الأزمات الدولية سواء جائحة كورونا أو الأزمة الأوكرانية أو التغير المناخى، فلم يعد الأمن يقتصر على البعد التقليدى والعسكرى، وإنما يرتكز على أبعاد أخرى غير تقليدية مثل الأمن البيئى والأمن المائى وأمن الطاقة والأمن الغذائى، وأمن المناخ كذلك.

هذا بالإضافة إلى أن الأمن والنظام العربى شهد تدهورا فى مفهوم الدولة فقد تحول العراق إلى دولة فيدرالية، وتم تقسيم السودان إلى شمال وجنوب بهدف التجزئة، فضلا عن تنازع السلطات والانقسام فى ليبيا بين الشرق والغرب، والأزمات فى اليمن وسوريا، والصراع على الحدود الشرقية لمصر وسياسة الاستيطان التى تتبعها إسرائيل، فضلا عن أطماعها التقليدية تجاه سيناء بالرغبة فى أن تكون امتدادا لها أو مكانا لإيواء الفلسطينيين، فضلا عن استمرار الاحتلال للأراضى الفلسطينية فى الضفة الغربية، ‬وجنوب لبنان، ‬والجولان بما يقود بشكل مستمر لعدم الاستقرار فى المنطقة، فضلا عن الفشل الذى أصاب أكثر من دولة عربية فى مؤسساتها وفقدان السيطرة على مواردها مما مهد لتدخل خارجى واسع النطاق فى شئونها.

• • •

تبنت مصر مقاربة رصينة، قوامها الرئيسى دعم وحدة الدول الوطنية، ودفع مسارات التسوية السليمة للصراعات، ورفض التدخلات الخارجية المعرقلة لجهود تحقيق الاستقرار. كما حاولت مصر تفعيل الدور العربى وتعزيز التعاون المشترك عبر طرح صياغات للتنمية العربية المشتركة مثل مشروع المشرق الجديد بين مصر والعراق والأردن واستحداث آلية التنسيق الثلاثى بين هذه الدول ليستعيد العراق مكانته ومحاولة إعادته مرة أخرى إلى المحيط العربى.

أيضا انخرطت مصر بكل جهودها وإمكانياتها فى صياغة حلول لقضايا وأزمات الأمن القومى العربى سواء فى مواجهة تطورات الأوضاع فى السودان فى 15 أبريل الماضى، وطرحها لضرورة وقف إطلاق النار وتوفير مجالات إغاثية للشعب السودانى، بالإضافة إلى استضافة نحو أكثر من ربع مليون سودانى فى مصر، وفى الأزمة الليبية أكدت ثوابت الدولة المصرية على الحفاظ على الدولة الوطنية وضرورة انسحاب الميليشيات والمرتزقة من الأراضى الليبية، وعقد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وردع التهديدات الخارجية بعدم تجاوز خط سرت ــ الجفرة لكونه خطا أحمر بالنسبة للدولة المصرية لن تسمح لأحد بتخطيه، كما أطلقت «إعلان القاهرة» 2020 الذى ساهم بشكل حاسم فى وضع حد لدائرة العنف فى ليبيا.

كذلك أكدت مصر على الحل السياسى للأزمة السورية وضرورة انسحاب القوات الأجنبية من سوريا وخروج المرتزقة والميليشيات منها وعودتها إلى الصف العربى، فنجحت مصر بالتنسيق مع الدول العربية فى عودة سوريا إلى مقعدها فى الجامعة العربية ومشاركتها فى القمة العربية الثانية والثلاثين فى مدينة جدة فى 19 مايو الماضى.

يضاف إلى ذلك؛ دور مصر فى دعم القضية الفلسطينية وفقا لمقررات الشرعية الدولية وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، فضلا عن تحملها واستضافة اللاجئين الفلسطينيين والمساهمة فى إعادة إعمار غزة بقيمة نصف مليار دولار، فضلا عن دورها فى إنجاز صفقة تبادل أسرى شاليط فى 2011، إضافة إلى الجهود الناجحة التى تقوم بها مصر بالنسبة للتهدئة وعدم تصعيد الموقف الأمنى والعسكرى بين إسرائيل والقطاع فى الحروب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ 2008ــ2023. كذلك نجاح الدور المصرى فى تأسيس منتدى شرق المتوسط فى يناير 2019، بهدف التعاون واستثمار اكتشافات الغاز من أجل تدعيم مبادئ التعاون الإقليمى وبما يحقق المكاسب لكافة الدول، وقد تم تحويل المنتدى لمنظمة دولية للطاقة منذ سبتمبر 2020 لتضم كلا من (مصر، فلسطين، الأردن، إسرائيل، إيطاليا، اليونان، قبرص) ومنح صفة المراقب لكل من فرنسا والولايات المتحدة والإمارات. 

ومن ثم لم تتوانَ مصر عن دورها الإقليمى بالرغم من التحديات فى ملف أمنها المائى، وأكدت وفقا للثوابت القانونية والدولية على ضرورة التوصل لاتفاق قانونى ملزم يحقق مصالح الأطراف الثلاثة (مصر والسودان وإثيوبيا)، واستجابت الدولة المصرية للدخول فى مفاوضات لعدة سنوات سواء ثنائية أو متعددة الأطراف لحل قضية السد الإثيوبى، لكن لم يسهم التعنت الإثيوبى فى التوصل لنتيجة مرضية لكل الأطراف. 

فى الختام؛ يعد الأمن القومى العربى محصلة أمن كل دولة عربية، ولاستعادة قدرة الدول ومؤسساتها على مواجهة مصادر التهديد، يجب إعلاء مستوى الأمن القومى العربى على حساب المصالح الخاصة، الأمر الذى يقتضى معه إعادة صياغة المفهوم مرة أخرى عبر تحديد مصادر التهديد وكيفية مواجهتها، وإعادة النظر فى أسس وقواعد التنسيق العربى خاصة أن أى تهديد فى أمن الخليج أو البحر الأحمر أو أمن الشام والمغرب العربى يعد تهديدا للأمن القومى العربى برمته.

النص الأصلي

 

التعليقات