شكلت ولادة «قمة العشرين» قبل سبع سنوات، وفى أعقاب أزمة مالية حادة، اعترافا صريحا بصعوبة الاستمرار فى إدارة شئون العالم بالطريقة السابقة.
تغيَر الاقتصاد العالمى، وتغير العالم. لم يعد ممكنا الاكتفاء بالقمم الأمريكية ــ الروسية وريثة القمم الأمريكية ــ السوفيتية. ولم يعد ممكنا الاكتفاء بمجموعة الدول الثمانى.
كان لابد من إشراك الدول الصاعدة والاقتصادات المؤثرة فى حسابات الاستقرار والازدهار.
هكذا وُلِد هذا الإطار الذى يمثل نحو ثلثى سكان العالم وثلثى التجارة الدولية وأكثر من تسعين فى المئة من الناتج العالمى الخام. كان لابد من إشراك قوى جديدة فى ضمان استقرار الوضع الاقتصادى وتوزيع الأعباء والمسئوليات.
وشكل منح العضوية فى هذا النادى اعترافا بنجاح من قُبِلَت عضويتهم فى دفع اقتصادات بلادهم إلى الأمام، أى تحسين ظروف معيشة مئات الملايين من الناس أو أكثر من ذلك.
تنعقد القمة الحالية فى أنطاليا بتركيا، أى فى مكان غير بعيد عن النزاعات الأكثر سخونة فى العالم والتى تدور للأسف على أرض عربية.
تعقد القمة فى بلد مجاور للعراق الذى يعيش منذ عقود على وقع الحروب والتمزقات.
بلد مجاور أيضا لسوريا التى تحولت بلدا مريضا تحاول لجنة الأطباء التى عقدت اجتماعها الثانى فى فيينا إقناعه بتناول العلاج ولو كان مُرا.
المؤلم أيضا أن المواضيع التى اقتحمت جدول أعمال القمة أو المشاورات الدائرة على هامشها، جاءت من العالم العربى. انعقدت القمة فى ظل أجواء حزن وغضب وقلق أشاعتها مذبحة باريس التى سارع تنظيم «داعش» إلى إعلان مسئوليته عن ارتكابها.
وانعقدت أيضا فى ظل الارتباك الأوروبى أمام أمواج اللاجئين المتدفقين من سوريا وبلدان أخرى عربية.
كم يبدو المشهد مؤلما.
يستطيع الرئيس الصينى المشارك فى القمة القول إن بلاده غيرت فى العقود الأخيرة حياة مئات الملايين من الصينيين. وفرت لهم ظروفا أفضل فى العمل والتعليم والرفاهية.
يستطيع رئيس الوزراء الهندى التحدث بلغة مشابهة عن مكافحة الفقر وتحسين ظروف الالتحاق بالعصر. يمكن أيضا الإشارة إلى كوريا الجنوبية والبرازيل وجنوب أفريقيا.
تستطيع السعودية وهى الدولة العربية الوحيدة فى «مجموعة العشرين»، التحدث عن إنجازات اقتصادية وتحسين ظروف معيشة مواطنيها.
لكن العربى المتابع للقمة يسأل وبألم عن أوضاع دولة غنية كان يفترض أن تحقق قفزة فى حياة شعبها، وهى العراق.
يسأل العربى أيضا عن مصر والجزائر وسوريا والمغرب ودول أخرى.
لا مبالغة فى القول إننا أضعنا عقودا كاملة من حياة شعوبنا.
أضعناها فى ظل سياسات الاستبداد وأحيانا فى عهدة رجال يسعون إلى تطويع مجتمعاتهم بدلا من مواكبتها، ولا يملكون معرفة حقيقية بالعالم وهاجس التقدم وأهمية الازدهار لحراسة أى استقرار.
المفارقات صارخة فعلا. يمكن العربى ألا يُعجَب بسياسات رجب طيب أردوغان الإقليمية.
ويحلو لبعضهم أن يهاجم «السلطان» وتعثُر سياساته فى الملف السورى وملفات أخرى.
لكن الحقيقة هى أن أردوغان يستطيع القول إن بلاده حققت فى ظل حكم حزبه قفزة اقتصادية، أهلتها للفوز بعضوية «مجموعة العشرين».
من حسن حظ العرب أن السعودية حاضرة فى هذه المجموعة.
وهى تملك إضافة إلى ثقلها الاقتصادى، ترسانة من العلاقات الدولية تضاف إلى ثقلها العربى والإسلامى.
هذا يؤهلها للدفاع عن وجهة النظر العربية فى نادى الكبار.
لكن المؤسف هو أن غالبية العالم العربى تبدو كأنها تقيم فى عصر آخر، ما ينذر بتدهور بلداننا واحتفاظنا بصورة مَنْ يصدر إلى العالم الإرهاب واللاجئين، كما فعلنا عشية قمة أنطاليا.
الحياة – لندن
غسان شربل