على عكس ما يقول المثل الشعبى «الثالثة تابتة»، لم يسبق الرئيس السابق دونالد ترامب فى خوض السباق الرئاسى الأمريكى على مقعد البيت الأبيض لثلاث مرات إلا رئيس واحد هو جروفر كليفلاند. ولم يسبق لرئيس أمريكى، باستثناء كليفلاند، أن هُزم فى محاولته الثانية لإعادة الانتخاب، ثم أقدم على محاولة ثالثة للوصول للبيت الأبيض.
يختلف الأمر بصور كبيرة فى حالة ترامب، إذ لا زال لا يعترف بهزيمته فى انتخابات 2020. وخلال خطابه الذى أعلن فيه نيته خوض السباق الرئاسى، عرج ترامب على انتخابات 2020 بالقول «عندما غادرت البيت الأبيض فى بداية 2021».
يريد الرئيس ترامب القيام بما قام به الرئيس كليفلاند، بعد التعرض للهزيمة، النهوض واستعادة البيت الأبيض بعد أربع سنوات، كما فعل كليفلاند الذى فاز وخسر ثم فاز بالبيت الأبيض فى أعوام 1884 و1888 و1892.
لذا أعلن دونالد ترامب، البالغ من العمر 76 عاما والذى حاول الانقلاب على نتائج انتخابات 2020 عندما ألهم أنصاره للقيام بأعمال شغب قاتلة فى مبنى الكابيتول فى محاولة يائسة لعرقلة تصديق الكونجرس على فوز منافسه جو بايدن بالانتخابات، أعلن أنه سيترشح مرة أخرى للرئاسة فى عام 2024.
وصف ترامب فترة حكمه بين 2017ــ2020 بأنها فترة «العصر الذهبى» للازدهار والهيمنة العالمية الأمريكية، ولم يذكر ترامب أى جديد يختلف عما يذكره فى مؤتمراته الحاشدة على مدار السنوات السبع الماضية. تحدث ترامب عن الانحدار الأمريكى، وسلط الضوء على نسب التضخم المرتفعة وانتقد الرئيس جو بايدن ووصفه بأنه مسن وضعيف ولا يحترمه أعداء الولايات المتحدة.
خلال كلمته التى امتدت لأكثر من 70 دقيقة، روج ترامب لرؤية مظلمة لأمريكا وصب تركيزه على أنه الوحيد القادر على إنقاذ أمريكا وإرجاعها للطريق السليم.
• • •
جاء إعلان ترامب بعد أسبوع واحد فقط من انتخابات التجديد النصفى لعام 2022، والتى شهدت أداء باهتا من المرشحين من الحزب الجمهورى المدعومين من ترامب فى سباقات مجلس الشيوخ الرئيسية، وانتخابات حكام الولايات، ونتيجة لذلك، تمكن الحزب الديمقراطى من الاحتفاظ بالسيطرة على مجلس الشيوخ، وعلى منصب الحاكم فى عدة ولايات هامة.
واعتبر أغلب الخبراء الأمريكيين أن ترامب شخصيا هو السبب الرئيسى لعدم سيطرتهم بسهولة على مجلس الشيوخ، وأنه السبب فى عدم حدوث موجة حمراء تجعلهم يفوزون بأغلبية مريحة فى مجلس النواب. وكان ترامب قد اختار ودعم عشرات المرشحين عديمى الخبرة، حيث كانت كل مؤهلاتهم، الاتفاق على ادعاءات ترامب بتزوير انتخابات 2020، وتسبب ذلك فى خسارة سباقات حاسمة سهلة، خاصة فى ولايات بنسلفانيا وأريزونا ونيفادا، فى الوقت الذى تنخفض فيه شعبية الرئيس بايدن لما دون الـ 40%، ويعانى ملايين من الشعب الأمريكى من ارتفاع نسب التضخم لمستويات قياسية لم تعرفها البلاد منذ نصف قرن، وهو ما كان يُسهل نظريا من مهمة المرشحين الجمهوريين.
• • •
فى نفس مقر إقامة ترامب فى ولاية فلوريدا، كان الإعلان عن ميلاد أمل جديد للحزب الجمهورى على يد حاكم الولاية رون دى سانتيس الفائز لإعادة انتخابه. وفاز الحاكم بفارق يفوق 10 نقاط عن منافسه الديمقراطى، ودفع ذلك لغيرة وتوجس من الرئيس السابق ترامب الذى أطلق على ديسانتيس لقب «رون ديسانكتيمونيوس». ومن الواضح أن ترامب يرى ديسانتيس كتهديد، وبادر الأول للإعلان مبكرا عن ترشحه لانتخابات 2024 فربما يغلق الباب أمام أى منافسة جادة من داخل المعسكر الجمهورى. ولا يبعد عن ذهن ترامب مواجهته لأربعة تحقيقات جادة حول دوره فى عملية اقتحام الكونجرس، ومخالفات مالية لشركاته فى نيويورك، وتهربه الضريبى، ومحاولته التأثير على مسئولى ولاية جورجيا لتغيير نتائج انتخابات 2020، وأخيرا مخالفته بنقل وثائق سرية لمقر إقامته بولاية فلوريدا. ويزيد ترشح ترامب من الضغوط على المشرعين والمحققين والقضاة الذين يحققون فى مخالفاته، نظرا لشعبيته الطاغية وسط ملايين من الشعب الأمريكى.
ومع ذلك، لا يزال ترامب شخصية قوية جدا داخل المعسكر الجمهورى، ويخشاه كل القادة الجمهوريين التقليديين، على الرغم من كونه أضعف إلى حد ما على المستوى الوطنى خاصة بين الأشخاص المستقلين التى ترجح أصواتهم فى النهاية هوية الفائز بسباق البيت الأبيض.
بالنظر إلى نتائج الانتخابات النصفية، والتى كانت بمثابة استفتاء على ترامب وليس استفتاء على بايدن، اتضح لكثير من قادة الحزب الجمهورى ــ فضلا عن بعض المنشقين ــ أنهم سيكونون سعداء بدعم صعود رون دى سانتيس فى الوقت الحالى، والقضاء على ترامب إلى الأبد. ويبدو أن شبكة فوكس الإخبارية المقربة من الحزب الجمهورى قد بدأت بالفعل فى فتح المجال واسعا أمام منتقدى ترامب وأنصار حاكم فلوريدا دى سانتيس.
وقبل أسابيع فاجأت صحيفة «واشنطن إكزامينر» المحافظة قراءها بنشر افتتاحية، عقب انتهاء تحقيقات مجلس النواب حول حادثة 6 يناير، جاء فيها أن «ترامب غير مؤهل لأن يكون فى أى مكان بالقرب من السلطة مرة أخرى»، واختتمت الافتتاحية بأن «ترامب عار، ولدى الجمهوريين خيارات أفضل بكثير لقيادة الحزب فى عام 2024. لا ينبغى لأحد أن يفكر بخلاف ذلك، ناهيك عن دعمه مرة أخرى».
• • •
يستطيع دى سانتيس، على عكس ترامب، بناء تحالف واسع يجمع الكثير من المعتدلين والمحافظين المستقلين. يتبنى دى سانتيس أغلب سياسات ترامب، لكن بدون ضجيج، أو إثارة، أو خطاب كراهية، أو فوضى. من هنا لا يرحب الحزب الديمقراطى بدى سانتيس كمرشح جمهورى، ويتمنون مواجهة دونالد ترامب للمرة الثالثة.