سوريا «قلب العروبة» المحتاج إلى إنعاش! - خالد أبو بكر - بوابة الشروق
الأربعاء 18 ديسمبر 2024 12:56 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سوريا «قلب العروبة» المحتاج إلى إنعاش!

نشر فى : الثلاثاء 17 ديسمبر 2024 - 6:30 م | آخر تحديث : الثلاثاء 17 ديسمبر 2024 - 6:30 م

لطالما وُصفت سوريا بأنها «قلب العروبة النابض»، وهى العبارة التى التصقت بتاريخها وجغرافيتها ودورها المحورى فى المنطقة العربية. لكن هذا القلب النابض بات اليوم واهنًا، تخنقه الطائفية وتثقله التبعية، بينما تقف سوريا على حافة المجهول، فاقدة لمؤسساتها وممزقة بين قوى إقليمية ودولية تتنازع النفوذ على أرضها.

 

ما بين نظام سابق باع استقلال البلاد وارتهن لإيران، وواقع جديد تهيمن عليه جماعات متشددة تاريخها ملوث بالعنف، تحت غطاء مشروع تركى للهيمنة، فقدت سوريا عروبتها، وتحولت إلى ساحة صراع عبثى. ومع عزلة العرب عن القضية السورية، بات الحديث عن «سوريا العربية» أقرب إلى خطاب إنشائى أجوف، لا يعكس واقع الحال ولا يعبر عن حقيقة مأساة هذا البلد.
• • •
لا يمكن فهم عمق الأزمة السورية اليوم دون العودة إلى إرث النظام السابق الذى لم يكن مجرد نظام سياسى استبدادى، بل مشروع طائفى مكرس لخدمة أقلية حاكمة على حساب الوطن والمواطن.
لقد دمّر نظام بشار الأسد مفهوم الدولة الوطنية بشكل منهجى، وحوّل مؤسساتها إلى أدوات تديرها نخبة طائفية مرتبطة به. الجيش، الذى كان يُفترض أن يكون الحامى للوطن، أُعيد تشكيله ليصبح جيشًا للطائفة العلوية؛ حيث تركزت القيادة العليا فى أيدى الموالين للنظام، بينما تم تهميش باقى مكونات الشعب السورى، ما جعل الجيش أداة قمع داخلى بدلًا من أن يكون ركيزة لحماية السيادة الوطنية.
كذلك، أصبحت مؤسسات الدولة المدنية مجرد هياكل صورية تخدم بقاء النظام. الإعلام، التعليم، القضاء، والاقتصاد، كلها خضعت لسلطة أقلية حاكمة تتلاعب بمصير البلاد، فيما تحولت الموارد إلى ملكية حصرية لعائلات مرتبطة بالسلطة. وعندما اندلعت الثورة السورية، انهارت هذه المؤسسات بسرعة لأنها بُنيت على الولاء للنظام لا على أسس وطنية صلبة.
هذه السياسات الممنهجة تركت سوريا فى حالة فراغ مؤسسى هائل، وهو ما فتح الباب أمام فوضى اجتاحت البلاد بعد سقوط النظام، وأصبحت الأرض خصبة لتدخل القوى الإقليمية والدولية.
• • •
إذا كان النظام السابق قد سلّم سوريا لإيران، فإن القوى الجديدة التى ظهرت بعد سقوطه ليست أقل خطرًا، فتاريخها مليد بالاستبداد الفكرى. لقد جعلت إيران من سوريا قاعدة لنفوذها الإقليمى، مستغلة تحالفها مع النظام السابق. تحت شعارات «المقاومة»، أُعيد تشكيل البنية الاجتماعية والثقافية السورية، بما يخدم مشروع طهران التوسعى، فيما أصبحت سوريا جزءًا من محور إقليمى لا يعبر عن مصالحها الوطنية ولا عن هويتها العربية.
لكن مع سقوط النظام السابق، ظهرت قوى متشددة، تمتد جذورها إلى فكر إقصائى يرفض أى تعددية سياسية أو اجتماعية. هذه الجماعات التى كانت على هامش الحياة السياسية، تسللت إلى الفراغ الناتج عن سقوط مؤسسات الدولة، لتفرض سيطرتها على مناطق واسعة من سوريا.
وبدعم تركى غير خفى، تحولت هذه الجماعات إلى أدوات تخدم أجندة إقليمية أوسع. أنقرة، التى قدمت دعمها تحت غطاء الثورة، استغلت هشاشة الوضع السورى لتمرير مشروعها الخاص الساعى للهيمنة والتمدد على حساب العالم العربى وتحديدا سوريا، وفى ظل هيمنة هذه الجماعات، ليس من المتوقع أن يكون البديل عن النظام السابق دولة مدنية حديثة، بل كيانات تسعى لفرض نموذج استبدادى جديد، وذلك وفق التحليلات الموضوعية لا التصورات المسبقة أو المتعجلة.
• • •
لكن الأزمة الكبرى لا تكمن فقط فى هيمنة إيران أو الجماعات المتشددة المدعومة من تركيا، بل فى غياب الحضور العربى الفاعل فى القضية السورية. لطالما كانت العروبة أحد مكونات الهوية السورية، لكن هذا الارتباط أصبح هشًا مع تراجع الدور العربى عن دعم سوريا وشعبها. اختارت الدول العربية موقف المراقب السلبى، تاركة البلاد فريسة للتدخلات الإقليمية والدولية، متناسية أن أمن سوريا واستقرارها هما جزء لا يتجزأ من الأمن القومى العربى.
هذا الغياب العربى لم يكن مجرد تقصير سياسى، بل كان عاملًا رئيسيًا فى ضياع سوريا كدولة عربية مستقلة، فيما بقيت الشعارات حول «سوريا العربية» حبيسة الخطابات الجوفاء التى لا تعكس حقيقة الواقع.
يحتاج العرب إلى تحمل مسئولياتهم التاريخية تجاه سوريا، عبر تقديم دعم حقيقى للشعب السورى واستعادة سوريا كجزء لا يتجزأ من النظام العربى.
إنّ قلب العروبة لن ينبض مجددًا إلا حين تستعيد سوريا استقلالها ودورها ومكانتها. حينها فقط، يمكن أن تتحول من ساحة صراع إلى وطن حر ومستقل، ومن مأساة إلى نموذج للأمل والكرامة.

التعليقات