أثارت دراسة حورس العلمية والتى أعلنت نتائجها الأسبوع الماضى فى اجتماع جمعية أطباء القلب الأمريكيين بسان فرانسسكو ــ جدلا علميا حاميا وتساولات عديدة.
الدراسة تمت بتصوير 137 مومياء من أربع حضارات قديمة للإنسان تصويرا كاملا بالأشعة المقطعية بحثا عن دلائل الإصابة بتصلب الشرايين لدى الإنسان القديم. أكدت الدراسة أن مرض تصلب الشرايين ليس ما درجنا على اعتقاده إنما هو مرض الإنسان بغض النظر عن تأثير المدنية الحديثة أو الأنماط الغذائية الاستهلاكية التى يتبناها أهل هذا العصر. إنما هو تطور طبيعى للتقدم فى العمر وقدر تحمله موروثات الإنسان الجينية يولد بها وينتهى إليها!
هل يعنى هذا حقا أن الدهون والسكريات لا علاقة لها فى غذائنا بتصلب الشرايين؟ هل تلك رجعة للعلم ستسمح لنا بالتهام كل ما تهفو إليه النفس من أصناف الطعام الدسمة الغارقة فى الزبد والسكر؟
قد يبدو الأمر كذلك لكن بقية القصة هى الحقيقة أما بدايتها فخادعة.
الواقع أن تلك الدراسة الباهرة التى استخدمت فيها تقنية الأشعة المقطعية الحديثة فى استكشاف ماض عريق وتاريخ بالغ القدم لم تنف دور الدهون فى وقائع عملية تصلب الشرايين وإن أرجأت ترتيب أهميتها.
إلى جانب الإبهار فى إمكانية تشخيص مرض تصلب الشرايين فى أوعية دموية تيبست لبشر هلكوا منذ آلاف السنين فإن ربط الحياة الاجتماعية والإنسان وأنماط الغذاء فى تلك الحضارات المتباينة قاد إلى حقائق بديهية. درجنا على الاعتقاد أن الدهون خاصة المتحولة منها تأتى على رأس قائمة عوامل الخطر المسببة لمرض تصلب الشرايين وأنه يليها فى الأهمية الأمراض المزمنة مثل ارتفاع ضغط الدم والسكر إلى جانب السمنة والحياة الخاملة بطيئة الإيقاع التى يغيب عنها أى نشاط رياضى إلى الضغوط النفسية والعصبية والتدخين ثم فى النهاية إشارة إلى العوامل الوراثية.
فما هو حقيقة الأمر وما هو التصور الجديد الذى تتحدث عنه دراسة حورس؟
تصلب الشرايين كان مرض الفراعنة الذين عرفوا اللحوم والزبد واللبن والحلوى والنبيذ لكنه أيضا كان مرض أهل الأوليت فى المحيط المتجمد الذين اعتمدوا على الأسماك فقط فى طعامهم وسكنوا بيوتا ثلجية صغيرة سيئة التهوية أشعلوا داخلها مواقدهم للطهو وقناديلهم بزيت الفقمة للإضاءة. كان أيضا مرض حضارة البيلبو الذين عاشوا على العشب والكلأ والأرانب البرية وأهل بيرو البدائية قبل أن يصل الإسبان للقارة الأمريكية الذين أكلوا العشب والسمك والحيوانات.
ما الذى يجمع كل هؤلاء؟ إنه بلا شك التقدم فى العمر والموروثات الجينية التى يتوارثها الجنس البشرى لتستمر الحياة.
عرف المصريون القدماء رفاهية ألوان الطعام خاصة أمرائهم وأثريائهم الذين يرجح أنهم أصحاب تلك المومياوات جيدة التحنيط التى تم تصويرها. حفظوا طعامهم بالملح فلم يكن التبريد فكرة واردة أو مستخدمة لذا فإن انتقال العدوى كان واردا بقوة خاصة الفم والأسنان بوابة شرايين القلب وأنسجته وصماماته. المعروف أن بدايات عملية تصلب الشرايين تبدأ بفعل صغير داخل بطانة الشرايين خدش قد تتبعه عدوى ميكروبية ضئيلة.
مثل ذلك التفكير العلمى الذى يستند لوقائع الحياة اليومية لدى إنسان تلك الحضارات قاد أصحاب الدراسة لإعادة ترتيب الأوراق وليس التخلص منها أو بعضها.
الدراسة إذن تخلص إلى الدعوة للمزيد من الوقاية وليس العكس تؤكد الدراسة أن تصلب الشرايين مرض تنقله الموروثات الجينية يظهر بتقدم العمر لكنها لا تنفى أدوار مشاركة لعوامل بيئية أخرى منها الأمراض المزمنة كالسكر وارتفاع الضغط والضغوط العصبية والسمنة والتدخين والدهون والعدوى فكلها مجتمعة إصبع على الزناد.
نحن بحاجة للمزيد من الإجراءات الوقائية التى تحمى حياة الإنسان فى حوارها الدائم مع الطبيعة والبيئة هكذا تكلم حورس إله الشمس والحرب والحماية فى الحضارة الفرعونية القديمة فى رأيى.