المشهد السائد الآن فى مصر أبعد ما يكون عن حرب أهلية أو داخلية. إنما يمكن النظر إليه باعتباره صدامات يخوضها الطرف الأدنى ضد الطرف الأقوى الأقدر على الاستمرار دون هزيمة رئيسية أو بالأحرى نهائية.
ومجرد استمرار هذه المواجهات المسلحة فى مصر طوال الشهور الماضية معناه أن من الضرورى من الآن أن نميز جيدا بين الطرف المهاجم والطرف المدافع. ولا يمكن الظن فى متابعة هذه التطورات القتالية أن الطرف المدافع يمكن أن ينتصر دون أن يتحول إلى طرف مهاجم فى نهاية المواجهة. ولهذا يصبح السؤال الأساسى الذى ينبنى عليه الاستنتاج النهائى إذا كان بإمكان الطرف الهجومى فى المرحلة الراهنة أن يحقق انتصارا. ويصبح من الضرورى قبل ذلك أن نكون مدركين أى الطرفين المتقاتلين يؤدى دورا هجوميا وأيهما يؤدى دورا دفاعيا، وما إذا كان بالإمكان أن يتحول المهاجم إلى مدافع أو أن يتحول المدافع إلى مهاجم.
لعل الأصوب أن نمعن النظر لنرى، وبالتالى لنعرف، أى الطرفين فى المعارك شبه اليومية هو المهاجم وأى الطرفين هو المدافع حتى يمكننا التوصل إلى استنتاجات سليمة عن النهاية. لقد اختار الإخوان ــ بناء على ما يبدو أنه تخطيط التنظيم الإخوانى الدولى ــ ان يكونوا فى موقع الهجوم منذ اللحظة الاولى. وهذا أمر تفسره حقيقة أن الإخوان هم الذين بدأوا هذا القتال. وحتى الآن لا يمكن الجزم أو حتى القول بأن الطرف الآخر هو الذى بدأ بالهجوم. وبطبيعة الحال فإن الطرف الآخر هو قوات الشرطة وتنضم إليها احيانا قوات من الجيش. وباستعادة الأحداث بعد الثلاثين من يونيو الماضى يتضح أن الإخوان تسلحوا بأنواع مختلفة من الأسلحة ومارسوا بها القتال ضد الشرطة وضد الأفراد الذين لا يبدون أى درجة من التأييد للإخوان. وفى جانب من هذه المعارك كان من الضرورى اشتراك الجيش إلى جانب الشرطة ودفاعا عن الجماهير غير المسلحة، فى مواجهة الإخوان المسلحين.
•••
منذ البداية فى هذه المواجهات شبه اليومية نتبين أن الإخوان اختاروا أن يكونوا الطرف المهاجم، بينما اكتفى كل من الشرطة والجيش بأن يكونا الطرف المدافع. ربما لأن مهمة هذين الجانبين تحددت منذ البداية بأنها الدفاع عن أفراد الجماهير ضد الاعتداءات الهجومية الإخوانية, نحن إذن بصدد مواجهة مسلحة بين طرف مهاجم يتمثل فى الإخوان فى مناطق المدن والأرياف وطرف مدافع يتمثل فى الشرطة والجيش. وحتى الآن لا يمكن الادعاء بأن هذا الطرف المدافع اتخذ مواقع أو تبنى خطط الهجوم ضد الإخوان. الأمر الذى يمكن تأكيده هو أن قوات الشرطة والجيش لم تعمد إلى اتخاذ مواقع واجراءات هجومية إلا فى ظروف استثنائية فرضتها تطورات المواجهة ضد هجمات الإخوان. وقد سار الأمر على هذا النحو حتى أن جماهير المصريين سواء كانوا داخل بيوتهم أو خارجها أصبحوا يتوقعون أن تسير التطورات التى تعكسها المواجهات ــ خاصة فى يومى الجمعة والأربعاء ــ على نحو يبدأ بهجمات من جانب الإخوان المسلحين فى المدن وفى المناطق الريفية، وفى مواقع الجامعات فى المدن الكبرى مثل القاهرة والإسكندرية والزقازيق وسوهاج...الخ. وردا على هذا الهجوم يأتى دفاع المدافعين من الشرطة (والجيش فى بعض الاحيان).
ولعل هذا التتالى يقدم تفسيرا مفهوما ومعقولا لحقيقة أن قوات الشرطة والجيش لم تستطع حتى الآن أن تحقق انتصارا نهائيا على تنظيمات الإخوان المسلحة فى هذه المواجهات. إنما يحدث غالبا أن يوجه الإخوان ضرباتهم وبعدها يفرون سريعا من الموقع قبل أن يكون الطرف الذى يواجههم قد تمكن من محاصرتهم وأسرهم جميعا. ويمكن أن يتكرر هذا السيناريو فى مواقع متعددة فى أنحاء مصر طالما أن التنظيم الدولى يبدى ما يؤكد رغبته فى الاستمرار فى تحدى السلطة المصرية، وطالما أن الأموال متوافرة لدى هذا التنظيم لتزويد الإخوان بالمال والسلاح فى المدن والمناطق الريفية فى أنحاء مصر.
•••
إن هذا السيناريو قابل للاستمرار لمدة طويلة، ربما لعدة شهور، طالما توافرت الأموال والأسلحة. أما الآن ومصر مقبلة خلال الأشهر القليلة المقبلة على إرساء نظامها السياسى ابتداء من انتخابات رئاسية ونيابية فليس من المتصور أن تقبل مصر هذا السيناريو الذى يسفر عن سقوط قتلى من المهاجمين والمدافعين ما دام المهاجمون والمدافعون مستمرين فى أداء أدوارهم. أما بعد ذلك فإن التطورات تشير إلى ضرورة تحول المهاجمين إلى مدافعين وتحول المدافعين إلى الهجوم بقصد القضاء على قدرة الإخوان على الاستمرار. سيكون من الحتمى لإنهاء هذه المواجهة أن يتحول فريق الشرطة والجيش معه إلى دور هجومى يفرض ضرورته وهى إجبار المهاجمين وقد تحولوا إلى مدافعين على التسليم باستحالة الاستمرار هجوما أو دفاعا.
لابد فى الوقت نفسه من أن تنشط الدولة المصرية فى عهدها الجديد فى محاصرة التنظيم الدولى للإخوان فى أول نشاط لها بالعمل من أجل إنهاء وجود هذا التنظيم علنا فى العالم الخارجى خاصة فى امريكا واوروبا. إن البرهنة على السلوك الإجرامى لهذا التنظيم وأمواله ليست من قبيل المستحيل فى إطار القانون الدولى.