مكرها اضطررت إلى الطلب من إدارة «الشروق» وقف تعليقات القراء على هذا المقال اليومى على بوابة «الشروق» الإلكترونية. ومضطرا لجأت إلى هذه الخطوة بعد ان صبرت حوالى عامين على رزالة وسماجة مجموعة قررت ان ترد على الكلمة بالسب وعلى الفكرة بالتهديد وعلى الرأى بالتكفير.
قبل شهور كتبت فى هذا المكان مناشدا هذه المجموعة ان تتوقف عن السباب وترد على الرأى بالرأى.
قلت لهم وقتها انى أحمد الله ان أبى وأمى لا يدخلان على الإنترنت، وإلا كانا قد لعنا اليوم الذى انجبانى فيه.
منذ بدأت اكتب منتظما فى «الشروق» منذ تأسيسها، كنت أشكر كل من يرى فيما أكتبه فائدة، وكنت أشكر وأحترم كل من ينتقدنى وأرى ان هذا حقه الكامل حتى لو كان الانتقاد حادا، مؤمنا ان أفضل ما يتلقاه أى كاتب هو التفاعل مع القراء.
كنت ابتسم فى سرى حينما يكتب البعض معلقا بأننى من الأفضل ان أتوقف عن الكتابة تماما.
تحملت كل ذلك بصدر رحب ميقنا أن من يعمل فى العمل العام عليه ان يتحمل راضيا ضريبة الانتقاد، مهما كان حادا وقاسيا لكن فى إطار بعيد عن البذاءة والسفالة.
لم أكن أصدق حكاية المجموعات الإلكترونية للاخوان، لكن بت مقتنعا بها تماما منذ تولى محمد مرسى حكم مصر، من وقتها صارت هناك مجموعة مهمتها الوحيدة سبى وشتمى حتى لو صدف أننى أشدت ببعض قرارات مرسى.
بعد خلع مرسى زاد منسوب البذاءة من قبل هذه المجموعة، وصار شعارهم إما ان اهتف: «يسقط الانقلاب أو أتحول إلى عبد للبيادة» ،هكذا اختزل بعض الإخوان أو أنصارهم مصر.
كتبت مهاجما مذبحة أبوزعبل، وكتبت منتقدا محاولة حشر التيار الإسلامى فى الزاوية وكتبت منددا مرارا وتكرارا بعمليات الاعتقال العشوائية، وطالبت النائب العام بمراجعة حالات كل المقبوض عليهم. فعلت كل ذلك انحيازا لضميرى ولقناعاتى، لكن هذه المجموعة الإلكترونية لا تريد إلا أشخاصا فى القطيع يسبحون بحمد المرشد.
قبل أيام دخلت فى نقاشات مطولة مع بعض هؤلاء الشتامين على صفحة الفيس بوك، قلت لهم ان السب والشتم ليس بطولة وليس جدعنة، أحدهم ساق ردا غريبا وهو اننى طالما لا اتبنى وجهة نظرهم فسوف يستمرون فى طريقتهم. قلت لهم انتقدونى كما تشاءون لكن توقفوا عن الشتائم البيئة، فلم يستجيبوا للأسف.
للموضوعية ليس كل القراء الإخوان كانوا كذلك، بعضهم كان موضوعيا ومهذبا فى التعليق. وللموضوعية أيضا فهناك قراء يستخدمون نفس قاموس السب والقذف ضد الكتاب الإخوان أو المتعاطفين معهم.
لكن لم أكن اتخيل أن شخصا يقول عن نفسه انه إخوانى ويدعى التدين وحفظ كتاب الله يلجأ إلى هذا القاموس البذىء أو يبحث عن أسانيد وحجج تحلل له سب وشتم الناس بأسفل الألفاظ.
الكارثة الفعلية ليست الجزء المتعلق بالشتائم ضد شخصى الضعيف، بل هى الشرخ المجتمعى الخطير، و«الجيتو» الذى يحشر فيه الإخوان أنفسهم كل لحظة، وانفصالهم ليس فقط عن المجتمع، ولكن عن الواقع بأكمله.
علينا ان نبحث عن طريقة لمعالجة هذه القنبلة الموقوتة والموجودة فى عدة أماكن بالمجتمع، قبل ان تنفجر بالكامل، خصوصا ان بعض القنابل الصغيرة بدأت تنفجر بالفعل.