نشر موقع «Eurasia Review» مقالا للكاتب Juan Martin يتناول فيه مشاركة إيطاليا فى المشروع الاستراتيجى الصينى «طريق الحرير الجديد» باعتبارها أولى الدول فى مجموعة السبع التى تنضم إلى هذا المشروع الضخم.
فى 23 مارس الماضى، وقع الرئيس الصينى ورئيس الوزراء الإيطالى «جوزيبى كونتى» مذكرة تفاهم «غير ملزمة» لتأكيد انضمام روما إلى المشروع الصينى «طرق الحرير الجديد»، وذلك على الرغم من قلق واشنطن وبروكسل. وإيطاليا هى أول بلد فى مجموعة السبع ينضم إلى هذا المشروع العالمى الضخم للبنى التحتية البحرية والبرية الذى أطلقته بكين فى 2013. وتحت أنظار الرئيس الصينى ورئيس الحكومة الايطالية، وقع وزير التنمية الاقتصادية الإيطالى لويدجى دى مايو ورئيس اللجنة الوطنية للتنمية الصينى هى ليفينج، رسميا الوثيقة.
وتمثل هذه الخطوة الاستراتيجية إعادة لإحياء عصر ذروة التبادلات بين آسيا وأوروبا وحتى إفريقيا، التى حدثت منذ نحو سبعة قرون. ويمكننا أن نعتبر ذلك المشروع « مشروع مارشال الصينى» للقرن الحادى والعشرين، ولكن خصائص السياق الذى أطلق فيه، وحجم رأس المال المعنى ونطاقه الطموح يجعله لا يمكن مقارنته بأى شىء آخر. لقرون مضت، تربط الطرق المختلفة لطريق الحرير القديم القارات الثلاث. كانت آسيا أهم السيناريوهات الجيوسياسية فى العالم، وكانت الصين هى الفاعل الرئيسى لها، وشعر الصينيون بذلك، ويعكس ذلك اسم أمتهم «Zhongguo» (المملكة المركزية).
التاريخ لا يعيد نفسه على الإطلاق، ولكنه فى بعض الأحيان يسير على نفس القوافى. وفى بكين، يمكن أن يكون استخدام الماضى، ذاكرة ذلك العصر الذهبى، بمثابة دليل لإظهار المستقبل. لقد مر ما يقرب من سبعة قرون منذ أن بدأ «ماركو بولو» ــ الإيطالى الذى ولد فى البندقية ــ رحلته إلى الصين حيث كان قوبلاى خان يحكم كإمبراطور، فأحسن هذا الرجل استقبال زائريه لأنه كان يحرص على تحسين العلاقات مع العالم الغربى. وفوجئ بعجائب الصين ففى ذلك الوقت كانت الهند والصين تفوقان بكثير فى الثروة والسكان والقوة والتكنولوجيا أى دولة أوروبية.
ينتمى الإمبراطور الصينى إلى أسرة يوان، ذات الأصل المنغولى، التى تنتمى إلى نفس نسب جنكيز خان، لكن الغزاة استوعبوا ثقافة رعاياهم، وهو درس فى التاريخ، كان ينبغى على البعض التفكير فيه عندما اعتقدوا أن الصين سوف تشبه المقارنات التاريخية والغربية الأخرى، خريطة الإمبراطورية المنغولية فى ذروتها تشبه إلى حد بعيد خريطة منظمة شنغهاى للتعاون، محور التعاون الروسى / الصينى والأوروبى الآسيوى.
والسؤال المطروح دائما كان عن مستقبل الصين على المدى الطويل، باعتبارها القوة الآسيوية الرئيسية فى حال وجود قوة أكبر منها وذات تأثير أكبر.
خلال ذروة قوة أسرة مينج فى القرن الخامس عشر فى الصين، قام الأدميرال تسنج ببعثاته إلى إفريقيا والمحيط الهادئ والمحيط الهندى، مع أكبر الأساطيل فى العالم فى ذلك الوقت.
ثم لأسباب مختلفة، أحيانا خارجية، مثل الحملات العسكرية الفاشلة (مثل اليابان، فى ظل قوبلاى خان)، فإن التهديد المستمر للغزو، والقضايا الداخلية الأخرى، مثل الميل نحو العزلة، أوقف ذلك تقدم الصين نحو حدود وآفاق جديدة. ثم تم ملء هذا الفراغ من قبل الأوروبيين. وفى القرون التالية أنشئوا نظاما عالميا للمحيط الأطلسى.
أخيرا، ستجعل الثورة الصناعية آسيا قارة «منعزلة ومهجورة»، بما يجعلها رقعة شطرنج أخرى تتعارض فيها مصالح القوى الأوروبية. عقود من الانحدار جاءت.. ستعانى الصين من حروب الأفيون. ولكن تعود فى القرن الحادى والعشرين حيث نشهد نهضة حقيقية من جديد فى آسيا.
رياح جديدة تهب اليوم على العالم..
مع وصول دونالد ترامب لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية فى عام 2016 شهدنا انهيار النظام الدولى؛ وكان أحد جوانب هذا النموذج الجديد هو التعريف الصارم للصين كمنافس استراتيجى للولايات المتحدة الأمريكية. لكن الصينيين أعدوا أنفسهم لذلك، ويشعرون أن هذا هو وقتهم الآن. إجراءات مختلفة تسمح لنا أن نستنتج أن دبلوماسية «انتظار اللحظة» قد انتهت. ففى بعض المناطق تجاوزت الصين بالفعل الولايات المتحدة الأمريكية.
هناك خريطة يتم إعادة ترتيبها، مع الولايات المتحدة التى تسعى إلى إعادة تشكيل النظام الدولى، واتحاد أوروبى لا يمتلك استراتيجية خارجية موحدة، دون تحديد ما إذا كان سيكون لاعبا أو «رقعة الشطرنج». وفى هذا السياق، تنشأ الفرص، وسوق جغرافية سياسية لعدد كبير من البلدان التى تبحث عن أشكال جديدة من الارتباط وأنواع أخرى من الأنماط فى العلاقات الدولية، وكذلك ظهور هوامش جديدة للصين لاستغلال الزخم لتعزيز قوتها العظمى.
لا يمكن تجاهل الثقل الرمزى لوصول المشروع الصينى إلى أوروبا الغربية عبر إيطاليا. لقد لعبت الجمهوريات الإيطالية دورا رئيسيا فى ربط الأوروبيين بالشرق الأقصى والصين، واليوم يمكن أن تكون إيطاليا بمثابة «جسر» فى مشروع غرب أوروبا فى أوروبا الغربية.
لقد مر أكثر من سبعة قرون منذ رحلات ماركو بولو إلى الصين، ولكن الآن ورثة «قوبلاى خان» هم الذين وصلوا إلى أوروبا.
إعداد: ريهام عبدالرحمن العباسى
النص الأصلى: