نشرت صحيفة الاتحاد الإماراتية مقالا للكاتب عبدالوهاب بدرخان، تناول فيه آمال أوروبا فى تولى الصين دور الوساطة لحل الأزمة الروسية الأوكرانية لسببين، أحدهما سعى بكين الواضح فى شراكة استراتيجية مع روسيا فى ظل انقطاع قنوات التواصل بين موسكو وكل عواصم الغرب. والآخر، هو نجاح بكين فى إعادة العلاقات بين الرياض وطهران. لكن ينبغى الإشارة إلى ضرورة رغبة طرفى النزاع فى وقف إطلاق النار وإلا أصبحت الوساطة بلا جدوى... نعرض من المقال ما يلى:أعادت زيارة الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون للصين طرحَ معضلة الحاجة إلى دولة أو مجموعة دول يمكن أن تلعب دورا رئيسيا فى الحدّ من المخاطر التى تشكّلها الحرب فى أوكرانيا، إنْ لم يكن لوقفها. وكان الرئيسان الأمريكى والفرنسى قد تشاورا هاتفيا، قبيل سفر الأخير إلى بكين، وأعربَا عن أملهما فى أن تنخرط الصين «معنا» فى جهود مشتركة «لتسريع وضع حدٍّ للحرب وإرساء سلام مستدام». ويُعتبر توقيتُ التحرّك الفرنسى مهمّا، إذ يأتى بعد عرض بكين ورقة الـ«12 نقطة» كأساسٍ للتفاوض والبحث عن صيغة للسلام. لكن بكين لم تعلن عن أى دور وساطة ترغب فى القيام به، بل إن مبادرتها تركّز على تشجيع روسيا وأوكرانيا على استئناف التفاوض، وقد ناقش الرئيس شى جين بينج خطتَه مع نظيره الروسى فلاديمير بوتين، وما يزال مستعدّا للتحدث مع الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى عندما تنضج الاتصالات بشأن الأفكار المطروحة.
لم يكن ماكرون مجاملا فحسب عندما قال إنه يعَوّل على الرئيس الصينى فى «إقناع روسيا وإعادة الجميع إلى طاولة المفاوضات». فهذه الدعوة تمثّل حاليا وجهة النظر الأوروبية، ولذلك دعا ماكرون رئيسةَ المفوضية الأوروبية الألمانية أورسولا فون دير لاين، إلى مرافقته.
وسبق أن استقبل شى جين بينج المستشار الألمانى ورئيس الوزراء الإسبانى، وتكوّنت لديه فكرةٌ وافيةٌ عن مخاوف الأوروبيين الذين أعادت العمليةُ العسكريةُ فى أوكرانيا إلى ذاكرتهم كلَّ الكوابيس والمخاطر التى ظنّوا أنهم تجاوزوها بعد الحرب العالمية الثانية، وحتى لو كان الرئيسُ الصينى قد تفهّم ردّ فعلهم بعد العملية العسكرية، فإنه يتفهّم أيضا الهواجسَ الروسية، ويعتقد أنه كان على الأوروبيين أن يبذلوا جهدا أكبر فى مفاوضات ما قبل الحرب بهدف تجنّب وقوعها.
كانت الصينُ واضحة فى سعيها إلى «شراكة استراتيجية» مع روسيا، لكنها لا ترى دورَها الدولى مقتصرا حاليا على ما يجرى فى أوكرانيا، بل تستشرف ما بعدها وتعمل على رسم مكانتها وسط متغيّرات كثيرة تتوقعها فى أوضاع العالم. ولذا فهى تطرح على جميع الدول، وفى كل مناسبة، كما فعلت خلال استقبال الرئيس الفرنسى، هدف «الشراكة الاستراتيجية الشاملة والدائمة» التى تعطى فيها أولوية لمصالح اقتصادية من شأنها أن تحتوى الخلافات السياسية. ولا شك أن بكين بَنَت مساهمتَها الحيوية فى إنجاز اتفاق إعادة العلاقات بين السعودية وإيران على مفهومها هذا لـ«الشراكة»، من دون اشتراطات تعجيزية على أىٍّ من الطرفين. وليس مستبعدا أن يكون هذا الاتفاق هو ما يشجع الأوروبيين حاليا على استعجال دور صينى فى أوكرانيا، نظرا إلى أن اتصالات موسكو انقطعت عمليا مع كل عواصم الغرب.
وبالنسبة إلى بكين يُفترض أن يبدأ أى مسار سلمى برغبة طرفى النزاع فى وقف إطلاق النار، يليه التفاوضُ بحثا عن «تسوية». عندئذ ستحتاج هذه التسوية إلى وساطة، لكن طرفا واحدا لا يستطيع إنجازها مهما عظُم نفوذُه، بل لا بدّ له من شركاء، وإلا فإن الوساطة تبقى مفتقدة. هنا يُطرح السؤال: عندما يحين وقتُ التسوية هل يمكن لأوروبا أن تكون شريكا للصين أم تبقى متأرجحة بين الواقع الأمريكى والمنطق السلمى؟
النص الأصلي