أثقل القصص على قلبى هى تلك التى تمس أحدا أحبه، وربما تغير النظرة له، لذلك لا أروى أمثال هذه القصص إلا للضرورة القصوى، واليوم أنا مضطر لرواية قصة من هذا النوع، عن شخص أجله وأقدره، ولكنها شهادة أرويها مضطرا، تعليقا على مقالة مهمة.
القصة باختصار، أننى كنت قد فكرت فى فكرة جديدة للتغيير السلمى، وكان ذلك فى عام 2005 على ما أذكر، وكانت الفكرة تعتمد على أن يتحرك كبار قادة الرأى فى مصر، وأن يتناسوا خلافاتهم، وأن يطالبوا كل تلاميذهم وقرائهم ومن يثق فيهم بتحرك معين، فى وقت معين، وأن يعلنوا جميعا عن ذلك بنفس الطريقة.
عرضت الفكرة على عدة أشخاص من هؤلاء الرموز، وكان من ضمن هؤلاء الدكتور جلال أمين، وكان بصحبتى فى تلك الجلسة صديقة عزيزة أستاذ للعلوم السياسية بالجامعة الأمريكية.
غالبية من جلست معهم (من الرموز) لم يقتنعوا بكلامى، واعتذروا عن عدم المشاركة، ولكن أكثرهم صراحة كان الدكتور جلال، فقد قال بملء فيه: «ومن قال لك إن هؤلاء يستطيعون أن يجلسوا معا لشرب فنجان قهوة أصلا؟!»
فقلت: «أظنهم من أجل مصر يفعلون الكثير، ويتناسون خلافاتهم الأيديولوجية فى سبيل هدف أسمى...هذا ظننا فيكم يا أستاذى»
فقال لى د.جلال: «أنا لا أستطيع أن أجلس مع بعض هذه الأسماء لمدة خمس دقائق».
صعقت، ولكن ذلك الرد وفر علىّ كثيرا من الوقت، وعرفت حينها أن حلم التغيير لن يتحقق إلا بأيدينا نحن الشباب، وأن الأجيال التى مضت لا يعول عليها فى صناعة المستقبل.
من هذا المنطلق لم أستغرب ما كتبه أستاذنا الدكتور جلال أمين فى زاويته الأسبوعية بجريدة الشروق يوم السبت قبل الماضى (4/5/2013) بعنوان : «الثورة المصرية: أسئلة بلا أجوبة».
لقد سأل أستاذنا أسئلة كثيرة، خلاصتها أن الثورة مؤامرة، فهو يتساءل مثلا لماذا تُرِكَ الناس يستقبلون البرادعى فى مطار القاهرة؟
د.جلال لا يريد أن يصدق أننا قد خاطرنا، وتقدمنا، فاكتشفنا أننا أمام دولة هشة، وأمام جهاز أمنى غبى، ومع الوقت تأكدنا أننا أقوى منهم بكثير.
يتساءل الدكتور جلال: «ما الذى جعل أجهزة الأمن تبدى كل هذا التهاون فى التعامل مع الشباب فى الميادين، ولماذا لم تحتل قوات الأمن ميادين القاهرة هذه المرّة؟»
وأنا أقول بكل ببساطة: يا دكتور... لقد قاموا بذلك فعلا، وإذا أردت أن تتأكد فبإمكانى أن أحضر لك مئات الفيديوهات للشباب المصرى وهو يقتحم هذه الميادين مواجها الرصاص والمدرعات!
يتساءل الدكتور جلال عن وائل غنيم، وعن التاريخ الثورى لمن أشعلوا هذه الثورة، وهذا أهم الأسئلة، وجواب هذا السؤال هو المفتاح الحقيقى لفهم ما حدث، وأنا أقول بكل حب واحترام وإجلال: يا دكتور جلال ... هؤلاء الشباب لا تاريخ لهم، ولو كان لهم تاريخ، لجلسوا إلى جواركم يتساءلون عن أمور قد تخطاها الزمن بعشرات السنين، ولظلوا إلى جوار جيلكم عاجزين عن فهم المشهد، متشككين فى كل ما حدث، متوهمين مؤامرة كونية.
يا دكتور جلال ... لقد نجحت هذه الثورة لأنها لم تستمع لكم، ولم تقتد بكم، ولم تر فيكم مثلا ...!