غدا تعرض آخر حلقة من مسلسل "لعبة العروش" وهو حدث لو تعلمون عظيم. ينتظره حسب بعض التقديرات نحو مليار مشاهد في 170 دولة ساعدوا في ملء كروش المنتجين بأرباح قدرت بالمليارات.
حتى أسابيع قليلة كنت من بين القلائل الذين تجنبوه منذ انطلق عام 2011. ثمانية أعوام من الصمود أمام كل مناقشة أو جدل في مواقع التواصل يتحدث فيه الأصدقاء والمعارف عن أبطال المسلسل كما لو كان جون سنو وآريا ستارك من باقي أفراد العائلة.
لكن مع الضجة التي صاحبت انطلاق الموسم الأخير قررت إنهاء المقاطعة. وبعد انتهائي من مشاهدة الموسم الأول ترددت في المواصلة. قدر غير معتاد من الخيانة والغدر والشر والقتل بكافة الطرق والأشكال، استيحاء من صراعات أوروبا في عصورها المظلمة. سيناريو ممتع وحوار محبوك وشخصيات مرسومة ببراعة إلا أنني لم أشعر بأن المواسم التالية ستضيف جديدا. غالبت التردد وقررت مواصلة المهمة التي بدأتها حتى انتهيت أمس من الحلقة قبل الأخيرة في الموسم الثامن، وهي الحلقة التي انتبه فيها المخرج إلى أنه رغم تصويره لكل أشكال القتل والتعذيب صلبا وذبحا وحرقا وسلخا وتقطيعا، إلا أنه نسي تصوير خزق العيون، فأضافه في مشهد مستقل ومطول ليتمم بذلك موسوعة القتل والتعذيب البصرية الشاملة.
لن أختلف مع كثيرين ممن قالوا إن المواسم الأولى كتبت بشكل أفضل، فيما عانت الأخيرة من التطويل والمعارك الممطوطة. تسطحت الشخصيات وظهر لدى بعضها نزوع للوعظ بشكل لا يتفق مع انغماسها السابق في مستنقعات الرذيلة والدسائس والملذات.
ربما أنسى الكثير مما شاهدته في لعبة العروش باستثناء مجموعتين من المشاهد اعتبرها من أبرع ما جاء فيه بعرضها الفذ لعلاقة السلطة بالدين.
الأولى كانت عندما تفتق ذهن الملكة الأم "سيرسي" عن تصعيد طائفة من المهووسين دينيا لاستخدامهم في القضاء على أعدائها. كان عرض المسلسل للطائفة أمينا. فهم بالفعل متدينون ورعون، باحثون عن النقاء، متعففون عن الثروة والملذات. باحثون عن السلطة، ليس حبا فيها ولكن لتحقيق مشيئة الرب. حبرهم الأعظم يخطر حافيا في جلبابه الرث، ويخلب لب أتباعه بل وأهل السلطة والسلطان بحديثه عن التجرد والعودة لأصول الدين كما عرفها الأقدمون.
في لقائها الأول معه تقول سيرسي "إن الدين وسلطة الحكم هما عماد المملكة، تسقط لو سقط أحدهما". يتصاعد نفوذ الحبر الأعظم حتى يصير الأقوى هو وطائفته. تحتدم الدراما عندما نراه يحاكم الملكة الأم ذاتها على خطاياها ويحكم عليها ب"مسيرة التطهر". فتمشى عارية من المعبد حتى مقر الحكم الذي تصله ملطخة بالروث والغائط وبصاق العامة، بينما يجلس ابنها الملك الصغير عاجزا عن مساعدتها، مرددا لعبارتها التي التقطها من الحبر الكبير: الدين والحكم عماد المملكة، تسقط لو سقط أحدهما.
أما المجموعة الثانية فتصور علاقة الكاهنة الحمراء خادمة إله النار، بالملك ستانيس. إذ أقنعته أن الرب يقف وراءه كمطالب شرعي بعرش الممالك السبعة. ومن خلال الرؤى التي كان تعرضها له في ألسنة اللهب، وباعتبارها لسان المشيئة الذي ينقل مطالب الرب، استجاب الملك لكل رغباتها. حتى انتهي به الأمر في مشهد مريع يشعل فيه النار في ابنته الصغيرة الوديعة لتموت حرقا كأضحية لإله النار من أجل تحقيق النصر. وبدلا من ذلك كانت هزيمة نكراء. سُحق الجيش وأُفنى عن بكرة أبيه وسقط الملك قتيلا.
وعندما يواجه "سير دافوس سيورث" القائد الذي نجا بأعجوبة، الكاهنة الحمراء بما استدرجتهم إليه بدعوى معرفتها بمشيئة الرب، نظرت إليه بحسرة وبساطة آسرة وقالت: لقد أخطأت.
..
ما أشبه الليلة بمسلسل البارحة.