يهديك يرضيك - غادة عبد العال - بوابة الشروق
الخميس 19 ديسمبر 2024 12:01 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

يهديك يرضيك

نشر فى : الخميس 18 يونيو 2009 - 12:32 م | آخر تحديث : الخميس 18 يونيو 2009 - 12:32 م

 يهديك.. يرضيك.. يهديك يرضيك الله يخليك..(بلديااااه)..يهديك..يرضيك..يهديك يرضيك الله يخليك..(بلديااااه)..وقفت فى وسط ميدان رمسيس ــ المعروف حاليا ببيت جحا ــ أستمع للتوزيع الجديد للأغنية السبعينية بصوت عفاف راضى مختلطا بأصوات أصحاب الميدان غير الرسميين مع فاصل من الرقص الإيقاعى والجمباز والتزحلق على الأسفلت ورفع الأثقال ونط الحواجز..

كله فى نفس واحد.. فقد تصادف مرورى أثناء حملة البلدية الأسبوعية على الباعة الدائمين المعسكرين 24 ساعة فى الميدان المسكين الذى ضاق بكل ما فيه.. توقفت للحظة لأتابع المشهد على أنغام الأغنية، غمرتنى مشاعر الحزن والشفقة على أولئك الذين يطاردون كاللصوص وقطاع الطرق ثم فجأة انتابتنى موجة من السعادة الغامرة..

مش شماتة فى حد لا سمح الله.. لكن لأن دماغى لحظتها نورت بالحل للخلاص من لعبة القط والفار اليومية بين البلدية والباعة الجائلين والطريقة اللى تخللى المجتمع كله ينظر لهم باحترام وتقدير باعتبارهم ركيزة من ركائز المجتمع وواجهة حضارية نفتحر بيها كلنا.

ولأن الفن هو مرآة المجتمع.. ولأن السينما المصرية طالما فجرت القضايا وأتت بالحلول فقد توصلت إلى أن الحل ببساطة.. هو الرقص.. مش برضه أغنية عفاف راضى اللى شغاله دى كانت جزء من أحداث فيلم حبكته كانت بتقول إن كان يا ما كان فيه شلة نشالين وحشين قابلهم مخرج حليوة ونساهم الطريق الوحش وأخدهم للطريق الحلو عن طريق تكوين فرقة غناء ورقص خلتهم ناس حلوين وخلت المجتمع كله يتفشخر بيهم فى كل حتة..طيب..يبقى ممكن يكون ده الحل..يعنى مثلا..

«أحمد نص كم» بياع التيشيرتات لو أخدناه وإديناله كورس هيب هوب..مش كان نفعنا فى ستار أكاديمى ؟..«أم السعد» بياعة الفطير والجبنة القديمة إدوها كورس باليه جايز جدا ترفع راس مصر وتنضم لفرقة البولشوى..«عم خميس» بتاع عربية الفول عايز حصتين صلصا وحصة تشاتشا تشا..ويعيد أمجاد الفيلم الاستعراضى وينافس هايفا فى فوازير رمضان..مش الفيلم هو اللى كان بيقول كده ؟

وأنا معلش بأه أى حاجة أشوفها فى القناة الأولى تبقى بالنسبة لى حقيقة راسخة وشىء لا يقبل المناقشة..لو هو ده الحل اللى هيضمن الحياة الكريمة للباعة الجائلين اللى عددهم حوالى مليون ونص المليون بنى آدم حسب الإحصاءات الرسمية(يعنى إضرب العدد فى خمسة وضميرك مستريح) مافيش مانع نعمله..

أصل مش معقول يكون الحل هو إصدار حكم إعدام على ناس كل تهمتهم إنهم تمسكوا بأطراف الحياة الكريمة ورفضوا الانجراف لطريق الإجرام.. صحيح إنهم بيشيعوا فى الشارع المصرى الفوضى وعدم النظام وبالتأكيد لا يمكن الحصول منهم على أى عائد ضريبى وده بيضر بأصحاب المحال المرخصة..لكن تفتكر يعنى اللى واقف يبيع فى الشارع ده كان قدامه حل تانى وماعملوش حد قاله تعال يا ابنى أعينك بمرتب نص محترم وقال لأ؟..حد قالها تعالى يا ستى هاعينك وأعملك تأمين صحى ومعاش واعترضت؟..

هل المطلوب إن الناس دى يستسلموا لغول البطالة أو يقضوا حياتهم على النواصى أو القهاوى أو يتحولوا بلطجية ومجرمين ؟..قد يبدو أن الموضوع ليس له حل..لكن فيه حلول..فى إندونسيا الباعة الجائلين لهم نقابة وحقوق وواجبات ويعتبرهم خبراء الاقتصاد «تجار غير رسميين» ويثمنوا دورهم الاقتصادى وتوفيرهم لأكثر من مليون فرصة عمل..فى السعودية تم توفير أسواق ثابتة للباعة الجائلين فى بعض المدن يمارسون فيها عملهم بشكل يحترم آدميتهم..

فى ليبيا والمغرب والأردن وتونس الكثير من الحلول البديلة يتم اتخاذها لحماية هؤلاء الذين يمثلون متنفسا لحل أزمة البطالة اللى بتستفحل يوم بعد التانى..ويكفى أن تعرف أن 30% من الباعة الجائلين فى مصر من السيدات و15% منهم من الأطفال وفى الحالتين بيكونوا هم مصدر الدخل الرئيسى والمعيل الوحيد لأسرة كاملة وأن البيع بتلك الطريقة يخدم أكتر من 10 ملايين بنى آدم يفضلون الإفطار على عربية «عم خميس» بدلا من كرواسون سيلانترو وكوباية شاى من إيد «أم السعد» بدلا من لاتيه من بينوس..يمكن استخسار !

لكن معلش فلنعتبرهم غير قادرين..ولهذا فواحد ونص مليون بائع و10 ملايين مستفيد تدفعنا لنطالب المسئول بالبحث عن حل..إصدار تراخيص، تحديد أماكن بديلة على أن تكون قريبة من التجمعات السكانية، شكل ما من أشكال التأمين الصحى، صورة من صور الاحترام والمعاملة الآدمية قد تمكن هؤلاء من السير بين الناس مرفوعى الرءوس وقد تدفع الكثيرين من محترفى الجلوس على القهاوى للعمل وكسب لقمة العيش وقد تمنع انزلاق أقدام الكثيرين لسكة اللى يروح مايرجعش..يا سيادة المسئول..يهديك يرضيك..الله يخليك..شوفلنا حل.

التعليقات