نشرت صحيفة الخليج الإماراتية مقالا بتاريخ 17 يوليو للكاتب حسن مدن، فند فيه مقولة «بلاش فلسفة»، وأن الغرض من مقاله ليس نبذ الفلسفة وإنما نبذ المدلول السلبى لعبارة (بلاش فلسفة)... نعرض من المقال ما يلى:
يشفع لى استخدامى العامية عنوانا لمقالى هذا أن مفكرا كبيرا بقامة محمود أمين العالم هو من اختاره عنوانا لمقال قديم له، وعلى خلاف ما يوحى به العنوان، فإن الغاية هنا ليست الدعوة لنبذ الفلسفة أو الاستغناء عنها أو ازدراءها، وإنما العكس تماما، أى الدعوة لنبذ المدلول السلبى لعبارة «بلاش فلسفة»، كما تقال فى اللهجة المصرية، أو «حاج تتفلسف علينا» كما يقال فى لهجات أهل الشام، وربما نقول نحن، هنا فى الخليج: «بسك فلسفة» أو «فكنا من هالفلسفة»، وهى تقال عادة لمن يميل فى أحاديثه إلى الفذلكة فى القول، أو اللف والدوران على المعنى بعبارات منمقة، تبدو فى الظاهر جميلة، ولكن طريقة تقديمها لا تقدم محتوى يعتد به، ولا حتى يفهم المراد منه.
لا بأس أن نقول لأحدهم «كفاك فلسفة»، واذهب إلى المعنى مباشرة، ونحن ندرك المسافة فى الدلالات بين الأقوال فى أحاديثنا بالعامية، وبينها حين ترد فى سياقٍ بالفصحى، ولكن أن توظف هذه العبارة فى إطار الدعوة لتغييب الفلسفة من حياتنا، منهجا فى التفكير والرؤية، وأداة من أدوات التحليل والفهم، فإن الأمر مختلف، لأن مثل هذه الدعوة هى المسئولة عما وصفه محمود العالم بـ«الهشاشة النظرية فى الفكر العربى».
والهش، لغة، هو ما يقبل الكسر بقوة، وكل شىء فيه رخاوة ولين، والهشاشة عكس الصلابة، ونقول عن أحدهم إنه صلب الرأى، أى شديده، وهناك مقولة إن كل ما هو صلب قابل للسيلان، لكنها مقولة أقرب إلى العلم، موضوعنا هنا ينطلق من الحاجة إلى الفلسفة، حيث انطلق محمود العالم فى مقاله المشار إليه من ضرورة تفنيد مقولة «بلاش فلسفة»، ليرى أن لكل منا، حتى لو تظاهر بازدراء الفلسفة، فلسفته فى الحياة سواء كان واعيا لذلك أو غير واعٍ، وأننا بحاجة للمراجعة المستمرة لما ننطلق منه من فكر، ونحن نعيش حياتنا بجميع تفاصيلها، أو حسب تعبيره «أن نقف موقفا نقديا واعيا من هذه الفلسفة التى نتنفسها كل يوم، لننتقل إلى مرحلة الوعى والوضوح والنضج».
صحيح أن الرجل يتحدث عن الفلسفة كرؤية ومنهج، لكننا هنا نريد الحديث عن ضرورتها كمقرر دراسى لا غنى عنه فى جامعاتنا ومدارسنا، والعبرة ليست فى إدخال الفلسفة كمقرر دراسى، على أهمية ذلك، وإنما فى المنهج والأسلوب والرؤية الحاكمة لتدريسها للطلبة والتلاميذ. ليس الهدف هو القول إن الفلسفة مادة من مواد المناهج، وإنما المراد هو تدريب الطلبة على التفكير بمنهج نقدى.