تقف الممثلة الشابة فى بداية مشوارها الفنى أمام النجم المتصابى الذى تجاوز الخمسين ولايزال يلعب أدوار المراهق على الشاشة، تلقى جملتها الحوارية بأداء يتناسب مع كونها على أول الطريق، يصيح النجم اعتراضا على الأداء مغادرا البلاتوه وسط ثورة غضب عارمة، قبل أن يطلق المخرج كلمة «ستوب».
المشهد الذى خرج من نطاق التمثيل افتراضيا، ينتقل إلى غرفة النجم حيث سارعت الفتاة المسكينة خلفه لترضيته، وكونها تعلم ما يعيده إلى هدوئه، ارتمت تحت قدميه واعدة بتقديم كل تنازل يريده، ابتسم المراهق العجوز لسرعة انهيار الفريسة الجديدة، قبل أن يشبع نزواته المريضة من الضحية التى اختارت أقصر الطرق لارتقاء سلم الفن الهابط.
بعد لحظات يخرج النجم ذو الجماهيرية الساحقة من وكره إلى البلاتوه من جديد، مُشيدا بموهبة الفنانة الصاعدة، وسط غمز المخرج ومساعده لبعضهما البعض بأن الأمور تسير كالمعتاد، فالمتصابى لا يترك ذبابة تمر من أمام عينيه إلا وقد حصل على نصيبه منها، هكذا قال المخرج الإمعة، وهو يعيد تصوير المشهد مرة أخرى.
فى غضون سنوات، وعبر سلسلة من الأفلام التجارية الحافلة بالمشاهد الحسية الصارخة، تصبح الفنانة الشابة نجمة شباك، لم يردعها الهجوم القاسى للناقدة الفنية الكبيرة التى رأت فيها كل مبتذل ورخيص، فـ«الجمهور عاوز كده»، ماضية فى مسيرتها التى تتوجها بالحصول على جائزة مهمة بفعل نفوذ النجم المتصابى.
وسط همهمات وهمسات تتحول إلى صراخ، تصعد نجمة «صورة قذرة»، التى يقدمها الفيلم الهندى «The Dirty Picture»، إلى المسرح لاستلام جائزة تفوقها، فيما صوت الاعتراضات يتصاعد من صالة الاحتفال.. يقف النجم بكل غرور وهو يسلم الشابة جائزتها فتسارع بالوقوف أمام المنصة لإلقاء كلمة، تصمت الصالة لبرهة، تنطلق حنجرة النجمة راوية مشوارها «الفنى الرخيص»، الذى صنعه النجم المحبوب، وساهم الجمهور فى تكريسه بالإقبال عليه.
يشعر الحاضرون بالحرج أمام حجة الفنانة الشابة فى أسباب «صنع الفن الهابط»، ويلوذ غالبيتهم بالصمت، والاكتفاء بوضع نظراتهم عند أرجلهم، فيما تجد الناقد الكبيرة من الشجاعة لتقف وهى تصفق احتراما لكلمات النجمة التى قدمت ما لا يعجب النقاد، إرضاء لأصحاب الذوق الهابط فى الوسط الفنى، ورضوخا للعبة الشباك الشهيرة.
المشاهد السابقة عادت إلى ذاكرتى، وأنا اتابع المعركة التى دارت رحاها عبر وسائل الإعلام قبل أيام ردا على تكريم محافظ بورسعيد واحدة، شاء من شاء وأبى من أبى، تنتمى إلى عالم الفن بدرجاته المتنوعة، وإن اختارت الرقص طريقا.
دعونا نكون صادقين مع أنفسنا، وهذا ليس دفاعا ولا اعتراضا على تكريم راقصة، أليست الراقصة جزءا من حياتنا؟، ألا تحفل أفلامنا القديم منها والحديث، بمشاهد الرقص الراقى منه والمبتذل؟، كم منا جلب راقصة يوم زفافه؟، وكم منا ينتوى أن يحضر الراقصات إلى أفراح أبنائه؟!، ألا تصفقون وتهللون للراقصات؟، لماذا إذن تعترضون على وجودهن فى محافل التكريم؟!
نحن نصنع الراقصة، وندفع بالفن الهابط إلى صدارة المشهد، ونتسابق على الفوز بأرباح شباك التذاكر، ويشارك بعض النقاد، وعدد لا بأس به من الإعلاميين، فى ترويج أفلام التسطيح التى يتم سبكها فى استديوهات الإنتاج الرخيص لتحقق الملايين من الجنيهات، ثم بعد ذلك نهاجمها!!، كفانا ازدواجا فى الشخصية، ولنعترف أن الردىء، فى كل مناحى حياتنا بفعل عقولنا قبل أيدينا.