فى ذات الوقت الذى انشغل فيه العالم وانتفض ضميره لحالة الوليد الإنجليزى «شارلى جارد» الذى ولد بأحد العيوب الخلقية الخطيرة التى مازال علاجها تحت التجريب. جاء «جارد» للدنيا بجينات معيبة لها أثر مباشر على وحدات الطاقة فى الخلايا «الميتوكوندريا» الأمر إلى يؤثر مباشرة على عملية التنفلس وعلى خلايا المخ.
انتقل الوليد بمجرد ولادته ليظل تحت الرعاية الفائقة فى المستشفى الأشهر للأطفال فى لندن متنفسا عبر أجهزة التنفس لكن الأمر كان من الوضوح حتى أن الأطباء قرروا وقف أجهزة التنفس لكن الأب والأم رفضا ولجئا لمحكمة القيم الأوروبية والتقطت الخيط أجهزة الإعلام الأوروبية والعالمية. علا النقاش واحتدم وانتشرت الصور فى الصفحات الأولى لكبريات الصحف العالمية. لمعت فلاشات التصوير وتجمعات عدسات المصورين الصحفيين. ما مر نهار إلا وكانت صورة الوليد وإلى جواره دمية أليفة تشاركه مصيره الذى أصبح معلقا فى الأذهان.
أراد الأبوان انتقاله إلى الولايات المتحدة الأمريكية بحثا عن علاج لحالته فاجتمع له مليون جنيه استرلينى فى يوم واحد تبرع بها مواطنون.
حضر لمناظرته أحد أهم أطباء الولايات المتحدة وصاحب التجربة فى علاج تلك الحالة التى يجب تشخيصها قبل الولادة لكنه أعلن أن الوقت قد تأخر لأن خلايا المخ قد تأثرت. أنزل الستار على إحدى القصص الحزينة التى انشغل بها العالم بوفاة شارلى.
فى ذات الوقت يا أصدقائى انفجر ميكروب الكوليرا ليحصد أرواح ألف وتسعمائة وخمسة وسبعين من البشر فى اليمن.
وأعلنت منظمة الصحة العالمية أن هناك نصف مليون طفل مصاب بالكوليرا ينتظرهم مصير محتوم قاتم.
الكوليرا وباء يواكب ظروف الحياة القاسية وينتشر أثناء الحروب والمجاعات حينما ينقطع اتصال الإنسان بمصادر المياه النقية وتنحسر الظروف الصحية وتنتشر المخلفات. العدوى بميكروب الكوليرا تنتشر كالنار فى الهشيم رغم أن العلاج ممكن لكن عدم توافر شروط النظافة الأساسية يزيد من تعقيد الأمور. محنة الكوليرا فى اليمن هى أكبر محنة تعرض لها الإنسان فى العالم وتهدد بتطاير الشرر إلى ما بعد حدود اليمن الجغرافية.
اهتز ضمير العالم واجتمع البشر على محاولة إنقاذ «شارلى جارد» الذى جاء للعالم قابضا بأصابعه الصغيرة على قدره المحتوم. لقى كل العناية والرعاية لكن قدره كان أسبق من جهود العالم. ونصف مليون طفل مصاب بالكوليرا يعانى سكرات الموت على أرض اليمن السعيد لا يجد من يمد له يد العون أو المعونة».
لا أنكر بطولة الأطباء والممرضات على قلة عددهم الذين يعملون الآن فى اليمن تحت ظروف غاية فى القسوة وكلهم من المتطوعين ولكنى أتساءل عن ضمير العالم الذى انتفض «تشارلى جارد» أليسوا هؤلاء أيضا أطفال البشرية؟
لجأ والدا «شارلى جارد» لمحكمة القيم الأوروبية يتهمون الأطباء ويطالبون بإجبارهم على الاستمرار فى علاج طفلهم الذى جاء للدنيا فى حكم المقضى عليه بحكم إلهى. ألجأ أنا اليوم إلى العادل الذى لا يغفل عن عباده أشكو العالم بأسره إهماله لأطفال اليمن الذين يصارعون الموت فى مستنقع الحرب تغتال الكوليرا براءتهم وتنهى مستقبلهم قبل أن يبدأ.
ألعن الحرب فى كل مكان وأدعو بالفناء على مشعليها وكل من يمسك بخيط من خيوطها.
جميع الإنجليز مليون جنيه استرلينى لعلاج طفل عجز العالم عن علاجه فماذا نحن فاعلون لأطفالنا فى اليمن؟
يا ضمير العالم سحقا لقاضى يكيل بمكيالين.