تستهوينى كثيرا تلك القصص الإنسانية التى تحكى تاريخ تطور جهود المجتمع المدنى فى مصر خاصة تلك التى تحمل أفكارا إنسانية بناءة الهدف منها مساندة الإنسان ودعم مواقفه المبدئية فى الحياة. تستوقفنى أسماء السيدات المصريات اللاتى سجل التاريخ لهن مواقف تعلن عن ضمير يقظ ونفس سوية وشعور تلقائى بالرغبة فى عمل الخير ومساندة الآخرين.
يحضرنى مثل أتوقف عنده كثيرا للسيدة تذكار خاتون ابنة سلطان مصر الظاهر بيبرس التى هداها تفكيرها لبناء دار خيرية لإيواء النساء اللاتى فقدن عوائلهن إما بالموت وإما الطلاق وإما الهجر للخلاص من المسئولية. كانت تلك الدار تكفل لهن الإقامة الكاملة والرعاية الصحية ومسئولية تعليمهن حرفة، بل خصصت لهن سيدة فاضلة تشرح لهن تعاليم الإسلام وتحدثهن عن حقوق المرأة وواجباتها كزوجة وأم. قامت السيدة تذكار خاتون بتسجيل الدار لتضمن استمرارية عملها حتى بعد وفاتها تحت اسم «رباط البغدادية».
حدث هذا فى مصر بل وتكررت الأسماء وتعددت الدور التى تحمى المرأة من الضياع والتشتت الأسرى فى عصر كانت تتعرض له المرأة فى عوالم أخرى مختلفة إلى أقسى الظروف التى ربما ألقت بها إلى الهلاك.
ليس تحيزا للمرأة ولا تحزبا ضد الرجل إنما هى ملاحظة استوقفتنى من خلال عملى بالخدمة العامة فى مجال الصحة الأمر الذى تمنيت دائما أن تكتمل لى به رسالة الخدمة كطبيب.
إذا ما اتجهت المرأة للعمل الخيرى فإنها لا تكتفى بتقديم المال إنما تستعمله لهدف: يظل اسم الأميرة فاطمة إسماعيل ابنة الخديوى إسماعيل مرتبطا بجامعة القاهرة ــ التى كان لها أن تحقق أملا شعبيا غاليا ــ حينما تم بناؤها على أرض تبرعت بثمنها بعد أن باعت مجوهراتها.
الأمثلة فى الواقع كثيرة فى تاريخ مصر ومنها ما أسعدنى معاصرته بنفسى فمن بين صديقاتى من اعتادت التبرع لمعهد القلب القومى فى كل مرة تختار مشروعا محددا لدعم عمل المعهد كان من أهمها دعم مدرسة التمريض التابعة للمعهد بتوفير أجهزة كمبيوتر ومواد تعليمية يتم التدريس عليها للطالبات، ثم مساهمتها فى استعادة تجهيز غرفة القسطرة التى تعرضت للتخريب من قبل عائلة مريض نقل للمعهد بعد أن توفاه الله.
اليوم تتقدم صديقة عزيزة بتوفير كل مستلزمات عيادة الأسنان فى المعهد حتى تتمكن العيادة وأطباؤها من تقديم خدمة بالغة الأهمية لكل مرضى القلب خاصة من ستجرى لهم عمليات القلب المفتوح. خراج اللثة أو إصابة ضرس كفيلة بإنهاء حياة مريض بعد عملية جراحية ناجحة أجراها جراح للقلب متمرس.
صحة الفم تضمن سلامة صمامات القلب وشرايينه لذا كان بالفعل إعداد وتجهيز عيادة الأسنان من أكثر المشروعات أهمية لمرضى القلب الأمر الذى تفهمته تلك السيدة الفاضلة الكريمة التى أحتفظ باسمها بناء على رغبتها.
مازلت أدعو لفكرة أن تتولى مجموعة من أطباء وموظفى كل مستشفى بل من أصدقائها تحديد احتياجات المستشفى الذى قد لا تتوافر له ميزانيات توفرها الدولة فى صورة مشروعات جاهزة للتنفيذ ليتولاها المجتمع المدنى.
هذا لا يعنى على الإطلاق أن هناك تقصيرا من الدولة بل يعنى أن هناك متغيرات دائما ما تحدث تختلف من مستشفى لآخر لا تتوافر له ميزانيات جاهزة وهو أمر وارد فى كل المؤسسات التى تقدم خدمة طبية فى العالم.
تحية واجبة للسيدة الفاضلة مستنيرة العقل والضمير التى أهدت معهد القلب مستلزمات عيادة للأسنان كاملة. تحية أيضا واجبة لرئيسة قسم الأسنان التى أرادت بعزم أن تؤدى واجبها حيال مرضى القلب فسعت إلى ذلك بكل الطرق ومنها أن دعتنى للمشاركة.