الخطاب الانتخابى الحربى يمكن أن يؤدى إلى توتر لا لزوم له - من الصحافة الإسرائيلية - بوابة الشروق
الأحد 22 ديسمبر 2024 3:07 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الخطاب الانتخابى الحربى يمكن أن يؤدى إلى توتر لا لزوم له

نشر فى : الخميس 18 أكتوبر 2018 - 10:15 م | آخر تحديث : الخميس 18 أكتوبر 2018 - 10:15 م

توصل رؤساء المؤسسة الأمنية والمجلس الوزارى المصغر إلى خلاصة مفادها أن المناوشات مع «حماس» على السياج الحدودى فى صيغتها الحالية هى الخيار الأفضل من أى عملية عسكرية أخرى فى إمكان إسرائيل والجيش الإسرائيلى القيام بها فى السياق الغزاوى. هذا الموقف الذى أوصى به الجيش والشاباك وقيادة الأمن القومى، تبناه المجلس الوزارى المصغر. ولهذا السبب، على الرغم من عدم توقف «حماس» عن تصعيد استفزازاتها على السياج، ومواصلتها حفر أنفاق، تقرر عدة مرات فى الفترة الأخيرة الامتناع عن القيام بعمليات وخطوات عسكرية «جباية ثمن» خطط لها الجيش ومستعد لتنفيذها. وهذا ما حدث أيضا فى جلسة المجلس الوزارى المصغر.
بيد أن حكومة إسرائيل الحالية، وبالأساس لاعتبارات تتعلق بالانتخابات، التى هى كما يبدو، على الأبواب، لا تجرؤ على أن تقول للجمهور الإسرائيلى بوضوح إن هذا هو موقفها، ولذلك فرضت على نفسها ضبط نفس محبط. وبدلا من قول الحقيقة، ففى كل مرة تبالغ «حماس» فى استفزازاتها يقوم نتنياهو وليبرمان بتقديم عرض يعبران فيه عن غضبهما ويقولان إن صبرهما نفذ، أو يوشك على النفاذ، لكنهما يتحفظان فورا ويضيفان أنهما سيعطيان «فرصة أخرى» لـ«حماس».
فى مقابلهما هناك وزير آخر فى المجلس، نفتالى بينت، يقصد فعلا ما يقوله عندما يطالب بسحق الغزاويين من الجو. المشكلة هى أن هذا الخطاب الحربى قبيل الانتخابات، والذى يسود ساحة السياسة الإسرائيلية اليوم له دينامية يمكن أن تؤدى إلى تصعيد لا ضرورة له، قد يكلفنا ثمنا دمويا باهظا أكبر من الثمن الذى ندفعه حاليا فى مقابل الصدامات على السياج.
حتى بالنسبة إلى السياسى الأشد ميلا للقتال، من الواضح أن وضعا يخسر فيه الفلسطينيون أكثر من 200 قتيل وآلاف الجرحى نتيجة الصدامات على السياج، ولإسرائيل قتيل واحد وجريح واحد، هو أفضل من وضع يسقط فيه عشرات المصابين بيننا نتيجة عملية عسكرية ــ برية يقوم بها الجيش فى قطاع غزة، ويهرع خلالها جميع سكان جنوب إسرائيل ووسطها إلى الملاجئ عدة ساعات. وبالإضافة إلى ذلك، يكبح الجيش الاشتباكات على الجدار حاليا بواسطة طواقم صغيرة من القناصة، وعدد من كتائب المقاتلين، وعدد قليل من الدبابات ومن الطائرات من دون طيار، وبتكلفة مالية غير استثنائية، وهى عادية فى مجال الأمن الحالى.
فى مقابل ذلك، فى أى عملية عسكرية، حتى لو استمرت أقل من 50 يوما (مثلما استمرت عملية «الجرف الصامد») سيضطر الجيش إلى تعبئة الاحتياطيين، واستخدام مدرعات واستهلاك مخازن الذخيرة وقطع الغيار. وكل ذلك من شأنه أن يكلف مليارات الشيكلات.
علاوة على ذلك، يستمر العمل حاليا فى بناء العائق على الحدود مع القطاع من دون إزعاج، ومن المعقول الافتراض أنه بعد الانتهاء من العائق بعد نصف سنة، فإنه سيقدم ردا جيدا أيضا على مشكلة الأنفاق الهجومية. وعملية عسكرية ستعرقل الجدول الزمنى لتطبيق هذا المكون الدفاعى ــ الاستراتيجى. وأيضا لم نتحدث عن إمكان نشوء اضطرابات عنيفة فى يهودا والسامرة [الضفة الغربية] نتيجة صرخات الاستغاثة التى ستأتى بالتأكيد من القطاع، وبصورة خاصة يجب أن نأخذ فى الحسبان إمكان أن يحاول الإيرانيون وحزب الله ونظام الأسد فى جبهتى سورية ولبنان استغلال انشغال الجيش فى القطاع لتعظيم قوتهم العسكرية، أو حتى للقيام بعملية هجومية.
ماذا ستحقق عملية عسكرية فى غزة؟
أيضا على المستوى الدولى، ستضطر إسرائيل إلى خوض مواجهة غير سهلة على عدة جبهات، قانونية، إعلامية ــ دبلوماسية وتوعوية، إذا شنت عملية كبيرة على القطاع. والسؤال الكبير هو: ما الهدف؟ ماذا سنحقق عندما سندخل إلى هناك، ولم نحققه فى العمليات السابقة؟ إذا كنا نريد بضع سنوات من الهدوء للمستوطنات فى النقب، وخصوصا فى غلاف غزة، يمكننا أن نحقق ذلك من خلال الوساطة المصرية وموفد الأمم المتحدة.
تعتقد إسرائيل، ومن دون أى علاقة بما يجرى على السياج، أن عليها أن تفعل كل ما فى وسعها من أجل التخفيف من الضائقة المدنية فى غزة والحئول دون نشوء أزمة إنسانية فى القطاع، وذلك بشرط ألا تستغل الذراع العسكرية فى «حماس» فتح المعابر والتسهيلات لزيادة قوتها العسكرية.
عندما نقوم بهذا الحساب العقلانى وغير الانفعالى من السهل أكثر أن نتساهل تجاه الكرامة الجريحة وأن نسيطر على الغضب ونقر بأن الاشتباكات مع المشاغبين على السياج، وإطفاء الحرائق، واستيعاب الأضرار غير الكبيرة التى تتسبب بها البالونات الحارقة والمواد الناسفة، وتحمل دخان الإطارات المزعج فى مستوطنات غلاف غزة، هى أفضل بكثير من الأثمان التى سيضطر الجيش إلى دفعها إذا خاض معركة كبيرة فى القطاع فى الوقت الحالى.
العيب الوحيد للامتناع من توجيه ضربة عسكرية قوية إلى «حماس» فى الوقت الحالى هو تآكل الردع. وهناك مؤشرات واضحة تدل على حدوث ذلك. فى الأيام الأخيرة تتجرأ «حماس» أكثر، وأصبحت أقل حذرا فى استفزازاتها لإسرائيل، مفترضة أن الأخيرة لن تجرؤ على العمل ضدها. ومن المحتمل أن تستنتج «حماس» نتيجة هذا الوضع استنتاجات غير صحيحة، وأن تقوم بعملية خطف.
لذلك يجب الحرص على المحافظة على اليقظة كى لا يستغل المشاغبون على السياج الانتشار العسكرى الضئيل نسبيا للجيش الإسرائيلى حاليا على السياج مع القطاع من أجل القيام بعملية تسلل إلى الأراضى الإسرائيلية، وخطف جنود ومدنيين لاستخدامهم أوراق مقايضة، والقيام بهجمات على المستوطنات القريبة من السياج بواسطة الأنفاق التى ما زالت لديهم.
من المهم أن يتوقف وزراء المجلس الوزارى المصغر، وخصوصا نتنياهو وليبرمان، عن إطلاق التهديدات لإرضاء قاعدتهما الانتخابية، وعليهما التركيز على الحوار العملى والمتواصل مع كبار المسئولين فى رئاسة الأركان والشاباك للتأكد من الاستعداد والجاهزية لحدوث تحول فى الوضع.
إن الوقت الذى ستوجه إسرائيل فيه ضربة قاسية إلى «حماس» وحركة الجهاد الإسلامى فى القطاع سيأتى على ما يبدو، لكن ذلك يجب أن يجرى فقط بعد أن يكون واضحا أن جميع وسائل التسوية السياسية قد فشلت بصورة نهائية. فى مثل هذا الوضع، الذى نحن قريبون منه جدا الآن، لن يبقى فى جعبة «حماس» وإسرائيل سوى الخيار العسكرى لاستخدامه كأداة للخروج من النفق المسدود والدموى والمرهق. حينها فقط عملية عسكرية للجيش فى غزة ستكون فعلا «حربا لا مفر منها».
محلل عسكرى
يديعوت أحرونوت
مؤسسة الدراسات الفلسطينية

التعليقات