الحرب فى غزة.. والموت فى أسيوط - أحمد الصاوى - بوابة الشروق
الجمعة 11 أبريل 2025 10:06 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

الحرب فى غزة.. والموت فى أسيوط

نشر فى : الأحد 18 نوفمبر 2012 - 8:30 ص | آخر تحديث : الأحد 18 نوفمبر 2012 - 8:30 ص

يموتون فى غزة.. ويموتون فى أسيوط، أطفال هناك لا يعرفون لماذا يموتون، ولماذا تسعى وراءهم القذائف الصاروخية بالذات لتغتال أحلامهم وحقوقهم فى الحياة، لكنهم فى النهاية يعرفون أن هناك عدوا يتربص بهم يريد أن يقطع الطريق عليهم للمستقبل، لكن أطفال أسيوط لا يعرفون العدو، يجهلون دوافعه ومبرراته، فقط يرونه كل يوم يحصد ما تيسر له من الأرواح، يسمعون فى كل مرة صخبا وضجيجا ونواحا وعزاء، حتى يأتى ضحايا جدد فيتحول القدامى إلى أرقام أرشيفية فى قائمة الموت.

 

فى غزة يدفع الأطفال فواتير السياسة، تتحكم فى أعمارهم المواءمات الانتخابية، كلما اقتربت مواعيد الاختبارات التصويتية تتحرك آلة الحرب باتجاههم، كل روح تزهق تضمن بطاقة فى صندوق اقتراع، هكذا سارت بهم الأمور وتسير، وفى أسيوط يدفع الأطفال أيضا فواتير السياسة التى غابت طوال 30 عاماً، فغابت معها كل قيم المحاسبة والمساءلة، وتردت معها كل معايير الكفاءة والإنجاز، ومع تراكم الفشل والإهمال قامت الثورة وغادر الفاشلون والفاسدون مقاعدهم، لكن الضحايا استمروا فى دفع فواتير السياسة وأولوياتها المختلة بعد الثورة.

 

فى كل مرة يعتقد الأطفال أن الموت سيتوقف عندهم، وأن الحل قادم لتأمين الحياة ضد هذه النهايات البشعة، لكن أطفال غزة لا يعرفون أن أقصى جهد يبذل لوقف هذه المجازر لا يستهدف منعها مجددا، لكنه يقتصر على ابرام هدنة تلو هدنة وتهدئة تلو تهدئة، فيما يبقى أباطرة السياسة يتنازعون وتفشل ريحهم، ومجرمو الحرب متعطشون لأى ذريعة لإعادة نهر الدماء إلى جريانه، لأى سبب سياسى أو انتخابى أو لتجريب سلاح جديد.

 

ويعتقد كل طفل يموت تحت عجلات قطار أنه سيكون الأخير، ربما تعزى أمه نفسها، إذا كان موت ابنها سيكون سببا فى أن يصحو الغافلون ويُعاقب المهملون، ويُستبعد الفاشلون، فسيكون موته ضمانة ألا يموت الآخرون، لكن العشرات والمئات والآلاف لم يكفوا لوقف قوافل الموت وطوابير الجنازات.

 

يموت الأطفال فى أسيوط فى قصف الإهمال والفشل، بأضعاف من يموتون فى حرب غزة، ربما لا يحلم أطفال غزة أن يأتى يوم لا يشمون فيه رائحة الحرب، لكنهم على الأقل متأكدون أن هناك قوى بعد أن تقضى منهم وطرهم، سيعقدون هدنة أو سيضمنون تهدئة إلى حين، لكن أولئك الذين يروحون ضحايا للإهمال والفشل، ليس لديهم أى أمل فى هدنة أو تهدئة، فلا أحد لديه شجاعة أن يتعهد بوقف الموت، أو يضمن أى اتفاق هدنة مع قضبان ألفت دماء وذاقت طعم أجساد المصريين كما ذاقها الأسفلت والبحر وأنقاض العقارات.

 

فى غزة وفى أسيوط يبحث الأطفال عن حل يمنع ماكينة الموت نهائيا ولا يعطلها مؤقتا، لكن كل ما يدور من جهد وحوارات وجدل حتى الآن يذهب فى طريق الهدنة المؤقتة وليس الحل النهائى.   

أحمد الصاوى كاتب صحفي
التعليقات