النظام الحزبى القديم الذى تعرفه مصر منذ عودة الأحزاب فى عام ١٩٧٧، انتهى، ويبدو أننا بصدد ولادة نظام حزبى جديد، لم تتشكل ملامحه الكاملة حتى الآن.
ما سبق ليس تحليلى الخاص، لكنه حصيلة الوضع الحزبى الذى نعيشه فى السنوات السبع الماضية، ورسخته نتائج انتخابات مجلس النواب التى انتهت قبل أيام، وقبلها إلى حد ما انتخابات مجلس الشيوخ الجديد التى جرت نهاية شهر أغسطس الماضى.
العصر الذهبى للأحزاب كان فى فترة الحكم البرلمانى من عام ١٩٢٣ إلى ١٩٥٢.
فى هذه الفترة كان حزب الوفد هو الحزب الأكثر جماهيرية، وحينما قامت ثورة يوليو ١٩٥٢، فإنها حلت الأحزاب كلها فى اول عام 1953، واعتمدت نظام الحزب الواحد من هيئة التحرير إلى الاتحاد القومى تم الاتحاد الاشتراكى.
وفى عام ١٩٧٦ قرر الرئيس أنور السادات تأسيس المنابر الثلاثة داخل الاتحاد الاشتراكى من يمين مثّله حزب الأحرار ويسار مثّله حزب التجمع. والوسط كان حزب مصر، الذى كان حاكما. لكن السادات فجأة قرر حل الحزب، وفى 31 يوليو 1978 قرر تأسيس الحزب الوطنى الديمقراطى، ووقتها هرول غالبية أعضاء حزب مصر إلى الحزب الجديد، بعدها أيضا قدم السادات عشرين عضوا من حزبه ليشاركوا فى تأسيس حزب العمل الاشتراكى عام ١٩٧٨، بزعامة المهندس إبراهيم شكرى، وهو الحزب الذى قرر أن يحوّل نفسه إلى «شقة مفروشة لجماعة الإخوان».
خلال الفترة من ١٩٧٦ وحتى ثورة يناير ٢٠١١ فإن الحزب الوطنى كان هو العلامة البارزة للحياة الحزبية، وظل حاكما حتى قامت الثورة، وتم حله بحكم نهائى من المحكمة الإدارية العليا فى 16 إبريل 2011، وكان آخر رؤسائه هو طلعت السادات.
بجوار هذا الحزب كان هناك حزب الوفد الجديد، ممثلا نظريا لتيار يمين الوسط أو التيار الليبرالى، ويشاركه فى نفس الاتجاه حزب الأحرار الذى أسسه مصطفى كامل مراد.
فى حين أن حزب التجمع مثل تيار اليسار بكل روافده بزعامة خالد محيى الدين، ثم خرج منه الناصريون، ليشكلوا أكثر من حزب أبرزهم الحزب العربى الديمقراطى الناصرى برئاسة المرحوم ضياء داود، لكنه تعرض لانشقاقات كثيرة. وإضافة لهؤلاء شاركت جماعة الإخوان فى الحياة السياسية بصورة غير مباشرة عبر أحزاب مثل العمل والوفد، أو بصورة مباشرة كما حدث فى انتخابات ٢٠٠٥، رغم أن الجماعة كانت محظورة بحكم القانون، لكنها تمكنت من الحصول على خمسة مقاعد فى مجلس الشعب.
كانت هناك فترة انتقالية من يناير ٢٠١١ حتى ٣٠ يونية ٢٠١٣، حيث تمكنت جماعة الإخوان، ومعها بقية تنظيمات الإسلام السياسى، من السيطرة على أكثر من ثلثى مقاعد مجلس الشعب والشورى فى انتخابات خريف ٢٠١١، فى غفلة من القوى السياسية المدنية، التى كانت تحت حصار شبه كامل طوال عهد حسنى مبارك.
الجماعة ظلت محظورة قانونيا رغم سيطرتها على منصب رئيس الجمهورية إضافة لمجلسى الشعب والشورى والحكومة، لكن الجديد وقتها أنها شكلت حزب «الحرية والعدالة»، الذى تم حله لاحقا بعد ثورة ٣٠ يونية ٢٠١٣.
الحل الأول لجماعة الإخوان كان فى 8 ديسمبر 1948، والحل الثانى فى 14 يناير 1954. وفى 19 مارس 2012 تم إشهار جماعة الإخوان مرة أخرى، وفى 2 سبتمبر 2013 تم حل الجماعة للمرة الثالثة، وفى ديسمبر 2013، تم تصنيفها جماعة إرهابية بعد تفجير مديرية أمن الدقهلية.
الواجهة السياسية التى تصدرت لإسقاط جماعة الإخوان كانت «جبهة الإنقاذ»، التى تشكلت من غالبية القوى السياسية التقليدية، إضافة لتيار شعبى جارف.
كان البعض يراهن على أن تتمكن جبهة الإنقاذ من الاستمرار كواجهة مدنية سياسية، لكن مجمل التطورات اللاحقة جاءت بعكس ذلك.
البعض طلب من الرئيس عبدالفتاح السيسى أن يشكل حزبا ليكون ظهيره السياسى، لكنه رفض. وبداية من الانتخابات الماضية عام ٢٠١٦ شهدنا عدة محاولات حزبية يمكن أن ندرجها تحت لافتة أحزاب مؤيدة للحكومة أو للرئيس، لكنها غير رسمية، شهدنا ذلك فى حزب حماة وطن، ثم حزب «مستقبل وطن» الذى بدأ جمعية اجتماعية ثم سياسية، وفى الانتخابات النيابية حاز 316 مقعدا من إجمالى 568 مقعدا.
نتائج الانتخابات تقول لنا بوضوح إن الخريطة الحزبية القديمة تكاد تتلاشى، وصار لدينا أحزاب جديدة مختلفة، وبغض النظر عن تقييمنا لها سلبا أو إيجابا، فإن السؤال هو ما الذى سيترتب على هذه الخريطة الجديدة سواء لحزب الأغلبية الجديد، أو للأحزاب التى ما زالت تعتقد أنها موجودة، ويعلم الجميع أنها ماتت سريريا منذ سنوات؟!