كل الدبلوماسيين الذين عرفوا مبارك عن قرب وعملوا معه قالوا بوضوح إن عناده وسياسة «استقرار العبور» التى اتبعها هى السبب الرئيسى فى تراجع دور مصر خارجيا.
الوحيد الذى يرى فى مبارك ما لم يره أحد هو أحمد أبوالغيط وزير الخارجية الأسبق الذى تولى المنصب من 14 يوليو 2004 وحتى 4 مارس 2011.
لا ألوم أبوالغيط فهذا حقه، بل يمكن أن نحترمه هو وقلائل آخرين لم يتلونوا مع كل عهد، لكن من حقنا أن نختلف معه ونناقشه.
مساء الأربعاء الماضى كنت ذاهبا لمقابلة صديق فى أحد الفنادق وهناك فوجئت بحفل توقيع أبوالغيط لكتابه «شهادتى». قبل أيام من التوقيع تلقيت نسخة من الكتاب من الزميلة العزيزة نشوى الحوفى مدير النشر فى دار نهضة مصر ناشرة الكتاب.
معظم الحضور يمكنك أن تصفهم بأنهم من أنصار مبارك أو من عملوا معه أو من المعارضين للإخوان أو زملاء للوزير السابق، وقلت للزميلة العزيزة راندا أبوالعزم مدير مكتب قناة العربية أنه لو جاء غريب للقاعة ولا يعرف أن هناك ثورة فى مصر لاعتقد أننا فى يوم 24 يناير 2011.
فى بداية حديثه كان أكثر ما حرص عليه أبوالغيط هو تأكيده أنه لم يقصد بأى صورة انتقاد مبارك فى الكتاب عندما تحدث عن تقدم سنه أو إصراره على دفع من حوله للسير فى طريق معين.
أبوالغيط هو تلميذ نجيب فى مدرسة مبارك، لا يطيق إيران ويراها تجمع «الكروت» السياسية فى مواجهة مصر وأمريكا، وكأننا صرنا ولاية أمريكية، رغم أنه فاجأ كثيرين بالقول إن العلاقة المصرية الأمريكية فى السنوات الست الأخيرة تحولت إلى علاقة تنافر، والسؤال وماذا كان سيحدث لو أنها كانت علاقة انجذاب؟!.
أبوالغيط حاول الهروب إلى الفكاهة من اتهامه ورئيسه بإهمال أفريقيا مداعبا عمرو موسى الذى كان حاضرا بأنه لم يعلمه ملف مياه النيل جيدا وأرسله إلى سفاراتنا فى الغرب. وأن مشكلتنا هى أننا لا ننفق الآن أكثر من 23 مليون دولار سنويا هناك مقارنة بالصين التى تنفق ستة مليارات دولار ودبلوماسيوها يتسابقون للذهاب إلى هناك، فى حين أن دبلوماسيينا من الممكن أن يطلقوا النار على أنفسهم كى لا يذهبوا.
يصر أبوالغيط على أن مصر مبارك لم تقصر مع السودان الذى كان سيتم تقسيمه فى كل الأحوال!.
أبوالغيط لا يكنُّ الكثير من الود للتجربة التركية، ولا يراها إلا باعتبارها تبحث عن «البعد العثمانى» عبر سياسات شعبوية، ويرفض أبوالغيط من يقارن بين حيوية تركيا وخمول مصر، مبررا السبب بأن الفارق فقط هو الأموال لأن الناتج القومى لتركيا أربعة أضعاف ناتجنا.
ونسأل الوزير السابق: ولماذا كان دورنا العربى والأفريقى بازغا فى الخمسينيات والستينيات فى حين لم نكن أغنى من الخليج أو تركيا؟!... وهل الدور يقاس فقط بالناتج القومى فقط؟!. وإذا كان ذلك صحيحا فكيف نفسر الدور المتنامى لدول كثيرة لا تملك مالا كثيرا؟
الذى لا يريد أبوالغيط أن يراه هو المشروع القومى والإرادة الوطنية.
الدور الفاعل لا يتطلب أن يكون تحت أمر وزير الخارجية طائرة خاصة يتنقل بها كما يفعل وزراء خارجية إيران أو تركيا أو جنوب أفريقيا!.
الميزة الأساسية فى الكتاب أن أحد رموز عصر مبارك قد تكلم وقدم شهادته، ونتمنى أن نرى الباقين يفعلون ذلك، حتى نعلم كيف وصلنا إلى هذا النفق المظلم فى كل المجالات، لدرجة جعلت التيار الدينى يلتهم البلد بأكمله فى طرفة عين، وهذه هى جريمة نظام مبارك الأساسية.