التبعية خيار وليست قدرًا - ياسمين فاروق - بوابة الشروق
الأحد 22 ديسمبر 2024 9:57 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التبعية خيار وليست قدرًا

نشر فى : السبت 19 يناير 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 19 يناير 2013 - 8:00 ص

تعانى علاقة مصر بالولايات المتحدة الأمريكية من مرض التبعية منذ سبعينيات القرن الماضى.. هناك فرق بين التبعية والواقعية. فالواقعية تقتضى استيعاب أن الولايات المتحدة تملك بعض مفاتيح استقرار النظام السياسى والاقتصادى فى مصر، كما أنها مكون أساسى فى مصفوفة علاقات مصر الدولية، وهذه حقائق من الصعب تغييرها على المديين القصير والمتوسط، أما التبعية، فهى تبنى هذه النظرة مع الاقتناع بأن حياة النظام الحاكم فى مصر أو موته فى يد الولايات المتحدة وأن القاهرة تفتقد لأى استقلالية فى علاقاتها مع واشنطن، وبما أننا نعيش فى دولة ضعيفة من حيث المؤسسات، فإن أى نظام بما فيه النظام الحالى يرى أن أمن النظام مرادف لأمن الدولة، وعليه فإن نظام الإخوان مثله مثل نظام مبارك يرى أن أمن مصر القومى يعتمد على واشنطن. فلا يرى صانعو السياسة الخارجية اليوم بديلا فى علاقة مصر بالولايات المتحدة عن التبعية بل «الانبطاح». لكن هذه التبعية ليست قدرا ياسادة، وإنما اختيار واعٍ قام به الإخوان المسلمون، وهناك عدة أدلة على ذلك:

 

أولا: لم يكن انبطاح مصر أمام الولايات فى عهد مبارك اختيارا حرا، إذ كان نظام مبارك مفلسا من ناحية «رأس مال الشرعية». فالنظام لم يكن لديه مخزون داخلى كافٍ للشرعية يعتمد عليه من أجل الاستمرار فى الحكم، بينما فى السعودية يوجد المخزون القبلى والدينى، وفى سوريا هناك المخزون الطائفى والأيديولوجى، أما فى مصر، فلم يكن هناك سوى القوة القمعية وشبكات المصالح التى أثبتت أنها لا تستطيع ضمان استمرار النظام، أما النظام الحالى فقد أتاحت له الثورة فرصة تطوير شرعية وطنية تسمح له بالتحدث من موقع القوة مع الولايات المتحدة. فكان، ومازال، من الممكن أن يعمل الاخوان على تطوير مشروعهم الإسلامى كمصدر أيديولوجى وطنى للشرعية بالإضافة للعمل على بناء توافقات سياسية وطنية يقودها الإخوان المسلمون بدلا من الاعتماد على التلاعب بالدين والتعامل مع الانتخابات كسلعة تتم مقايضتها بالزيت والسكر والخدمات الاجتماعية.

 

•••

 

ثانيا: كان المصريون بعد الثورة فى أتم الاستعداد لتحمل الضغوط الأمريكية إذا قرر الإخوان إعادة النظر فى تبعية مصر للولايات المتحدة بطريقة واقعية لا تضر بمصالح البلاد، وقد أثبتا ذلك أثناء الثورة وبعدها، ففى أثناء الثورة، كانت رسالة المتظاهرين أننا لن نقف مكتوفى الأيدى شاعرين بالظلم أمام مساندة الولايات المتحدة لمبارك، حتى وإن كانت الولايات المتحدة هى القوة العظمى التى حولت العراق وأفغانستان إلى دول فاشلة وحولت إيران وسوريا وكوبا وفينزويلا إلى دول معزولة. كما استنكر المصريون أن تمثل الولايات المتحدة الشماعة التى تلقى عليها المعارضة اللوم فى استمرار تدهور مصر سياسيا واقتصاديا وعسكريا. فكانت شعارات المتظاهرين مصرية خالصة موجهة لنظام مبارك لا تطلب الدعم الغربى ولكن على العكس تطلب عدم التدخل وترك المصريين يقررون مصيرهم، وذلك على خلاف الثورتين الليبية والسورية.

 

وكذلك فى الأيام الأولى بعد الثورة، فقد عطلت الولايات المتحدة المساعدات النقدية التى كانت من الممكن أن تنقذ عجز الموازنة قبل أن يستفحل، بل وعطلت تقديم منح وقروض من المنظمات الدولية ومارست ضغوطا على دول الخليج وأثرت فى قرار الاتحاد الأوروبى بخصوص مساندة الاقتصاد المصرى نقديا وبالاستثمارات، وتسربت هذه المعلومات فى بعض الجرائد وعلى لسان المسئولين فى الحكومات الانتقالية التى تعاقبت على مصر ولم يكن رد فعل الرأى العام هو أرجوكم المساعدات بأى ثمن!. بل خرجت شعارات ووقفات ترفض أن تكون مصر منبطحة أمام الدول والجهات المانحة وأن تظهر ضعيفة أمام العالم. وخذوا من سوريا مثالا، فالشعب السورى مهما عانى من نظام الأسد لم تكن مسألة الضغط الاقتصادى والعقوبات الدولية والتأخر التكنولوجى والتصنيعى الناتج عنه من أسباب الثورة على النظام، بل بالعكس، كان أشد المعارضين لنظام الأسد متفقين معه فى شكل العلاقة مع الولايات المتحدة، ومعتزين بعدم انخراط سوريا فى الدوائر الاقتصادية العالمية مما أدى إلى انخفاض قيمة الدين الخارجى لسوريا ــ وبالتالى انخفاض نفقات خدمة الدين. وكان السوريون يفخرون أحيانا بأنهم ألفوا العقوبات الاقتصادية ومقاطعة الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الغربية لهم.

 

•••

 

ثالثا: هناك تجارب ونماذج دولية تثبت أن هناك خيارات بديلة عن الاقتراض من الخارج، وبالتالى التبعية له، من أجل انقاذ الاقتصاد الوطنى فى أوقات التحول الديمقراطى، وبالرجوع إلى تجارب اندونيسيا وتشيلى وجنوب أفريقيا والبرازيل، نجد بدائل وطنية خلقها قرار حاسم بعدم الاعتماد على البنك الدولى وصندوق النقد الدولى، وهذا القرار هو قرار سياسى منبعه عاملان، العامل الأول هو الإلمام بالخبرة الوطنية والدولية بالآثار الاجتماعية الضارة لبرامج هذه المنظمات، أما العامل الثانى فهو إرادة سياسية تريد الحفاظ على هامش من استقلال القرارات الوطنية فى ظل عولمة سياسية واقتصادية تسلب جميع دول العالم قدرا كبيرا من السيادة الوطنية، وكانت البدائل التى تبنتها دول أمريكا اللاتينية وآسيا تتمثل فى خلق برامج ومشاريع وطنية مع تكثيف الاعتماد على التجمعات الاقتصادية الاقليمية النامية.

 

•••

 

رابعا: كان توظيف العلاقات الخارجية لمصر فى الأيام الأولى من حكم الرئيس مرسى مبشرا بالفعل، فقد كان النشاط الخارجى الملحوظ للرئيس عاملا أساسيا فى تدعيم شرعيته على المستوى الوطنى وصعود شعبيته بطريقة أثارت حفيظة الولايات المتحدة ذاتها، حيث قام رئيس الجمهورية بنفسه بتسع زيارات خارجية منها خمس زيارات فى منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا. وكانت الرسائل التى بعثت بها خطب الرئيس آنذاك من نوع الرسائل التى تنتبه لها القوى الدولية والإقليمية، فخطب مرسى فى هذه المناسبات كانت تبشر بأن مصر بصدد حشد المتبقى من مواردها وتوظيف شعبيتها الثورية فى تجمعات اقليمية صاعدة تتضاعف من خلالها قوة مصر فى التأثير على القرارات السياسية الإقليمية أولا والدولية ثانيا. وفى نفس الوقت، اعتمد خطاب الإخوان الموجه للغرب على تقديم مصر كنموذج لإسلام سياسى ديمقراطى معتدل، وهو بالضبط النموذج الذى تبحث عنه الدول الغربية فى العالم الإسلامى، لقد كان، ومازال، من الممكن أن يستغل الاخوان المسلمون حاجة الدول الغربية لهذا النموذج فى تدعيم النفوذ الإقليمى لمصر والتفاوض على مكتسبات اقتصادية وسياسية وعسكرية تزيد من تمكين الدولة المصرية.

 

•••

 

أخيرًا: اتفقنا مع الإخوان المسلمين أم اختلفنا معهم، لا نستطيع أن ننكر أن العلاقات الشبكية الدولية للإخوان تسمح لهم بالتأثير عبر الحدود الوطنية للدول وتمثل إضافة لأدوات السياسة الخارجية المصرية فى زمن يتحدث فيه المنظرون والساسة عن دور الفاعلين من غير الدول والمنظمات الشبكية فى العلاقات الدولية.

 

•••

 

إن أساليب صنع القرار فى السياسة الخارجية حاليا بالإضافة إلى الاستماتة فى استرضاء الولايات المتحدة تبينان أن ما يسمى «المشروع الإخوانى» فى السياسة الخارجية خاويا فكريا وعمليا. إن مسئولى العلاقات الخارجية فى الرئاسة وحزب الحرية والعدالة يتحدثون عن عودة القيم إلى السياسة الخارجية المصرية وعن نموذج إسلامى ديمقراطى قائد. ولكن يترك الإخوان للولايات المتحدة الأمريكية ليس فقط تعريف مضمون الدور الإقليمى لمصر، بل وتعريف قيم وعناصر النموذج الإسلامى الذى يقدمه الإخوان للمنطقة والعالم.

 

 

 

مدرس بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة

 

مسئولة وحدة المجتمع المدنى بمركز

 

 العقد الاجتماعى

ياسمين فاروق أستاذ مساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية
التعليقات