لفت نظرى وربما معى الكثيرون ذلك المسلسل الذى تذاع حلقاته الآن «حالة خاصة»، أتابعه بشغف قد يغيب فى علاقتى بالتليفزيون وأنحاز بقوة لموهبة الممثل الشاب طه الدسوقى والذى يبدو كالسهل الممتنع فى أدائه لشخصية صعبة المراس: نديم الشاب المصاب بالتوحد.
أشعر بامتنان عظيم لصناع الدراما المصرية حينما تتضمن أعمالهم إشارات واضحة للمجتمع المصرى تتضمن التعريف ببعض القضايا الصحية والنفسية والتوعية بأبعادها. كان آخرها مسلسل الفنانة المتميزة أمينة خليل التى لعبت دور زيزى أو الشابة المصابة بنقص التركيز وفرط الحركة فأجادت بالفعل. دعم نجاحها محتوى علمى سليم للقصة وسيناريو واضح المعالم للتركيبة النفسية للمرض والمريض.
وفقا لتقارير الأمم المتحدة فى اليوم العالمى للتوحد أبريل ٢٠٢٣ فإن التوحد حالة عصبية تظهر خلال مرحلة الطفولة المبكرة لتستمر مدى الحياة بغض النظر عن الجنس أو العرق أو الحالتين الاجتماعية والاقتصادية.
وفقا لتقارير منظمة الصحة العالمية فإن اضطراب طيف التوحد يشكل مجموعة متنوعة من الحالات المرتبطة بتطور الدماغ. وغالبا ما يعانى الأشخاص المصابون بالتوحد من حالات متزامنة منها الصرع والاكتئاب والقلق واضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة بالإضافة لبعض السلوكيات الصعبة مثل صعوبة النوم وإيذاء النفس. أما الأداء الذهنى والفكرى فيختلف من مستوى ضعيف للغاية إلى مستويات أعلى.
لنا من التوحد فى مصر نصيب: رغم علمى بأن هناك مجهودات تبذل تستحق التحية والاحترام إلى أنها فى الواقع تحتاج إلى دعم من الدولة أكبر بكثير مما تحصل عليه بالفعل.
فى الوقت الذى تتضح حقائق كاملة دقيقة عن التوحد فى بلاد كثيرة تظل المعلومات المتاحة عن التوحد ومرضاه فى بلادنا بالفعل غير دقيقة ولا يمكن الاعتماد عليها بصورة علمية قاطعة.
ليس هناك حتى الآن كشف طبى للتوحد حيث يتم تشخيص معظم الأطفال فى سن متأخرة بينما يمكن تشخيصهم فى أمريكا مبكرا قبل تمام الثانية الأمر الذى معه يمكن وضع خطط علاجية تمتد بالطبع مدى الحياة.
تشير الأبحاث إلى أن للوراثة أثرا كبيرا فى نشأة التوحد الذى يعد اضطرابا فى النمو يؤثر على التواصل والسلوك يعتقد أنه ناتج من عوامل بيئية وجينية.
التوحد أيضا هو اضطراب طيفى بمعنى أن شدة وحدة الأعراض تختلف من شخص لآخر.
اختار المؤلف والمخرج أكثر أطياف التوحد قربا إلى الشخصية الطبيعية فجاءت تلك الشخصية الودودة التى أداها ببراعة ويسر «طه الدسوقى» وقد كنت فى الواقع أتمنى لو زادت جرعة الأعراض ولو قليلا حتى يتعرف المتفرج العادى على ملامح أطياف التوحد بصورة أكثر واقعية حتى لا تفاجئه صور أخرى فيحتار فيها أو ينفر منها فيعاديها.
أسرتنى كثيرا تلك النظرة التى حرص الممثل البارع طه الدسوقى على أن تظل معلقة فى عينيه الحائرتين لم تختف ولو للحظة.. ومع كل انفعالاته التى حرص على أن يحتفظ لها بإيقاع التوحد الرتيب كانت تلك النظرة الحائرة التى يرنو بها إلى فراغ يتخطى حدود الواقع تنسكب على ملامحه لتشكل بالفعل ملامح إنسان متوحد.
شكر واجب لكل من ساهم فى إخراج ذلك المسلسل الإنسانى البديع بتلك الصورة الموحية فى رسالة فعالة للمجتمع المصرى عن مرض التوحد ومرضاه الجديرين بالرعاية.