«عالجوا مرضاكم دون تمايز أو تمييز.. لا لون ولا عرق ولا دين.. الحق فى الصحة والأمل فى العلاج من المرض حق إنسانى لكل البشر سواء».
كانت تلك هى الرسالة التى وجهها جراح القلب الأشهر فى العالم إلى أطباء القلب فى مصر.. تحدث مجدى يعقوب إلى مؤتمر الجمعية المصرية لأمراض القلب والذى انعقد على مدى أربعة أيام كاملة، بدأت الأحد لتنتهى الخميس من هذا الأسبوع.
انعقدت خلال المؤتمر مائتا جلسة علمية حاضر فيها أربعمائة وثمانون محاضرا مصريا ومائة وعشرون محاضرا أجنبيا.
تنوعت الموضوعات العلمية واستعرض المشاركون فيها من أطباء القلب المصريين والأجانب المتغيرات التى ألمت بالعالم من جراء جائحة كوفيد ـ ١٩ وتداعياتها على أمراض القلب والشرايين وما يتبع ذلك من ملاحظات علمية وعلاجات حديثة قد تتخطى الأدوية إلى مجالات أخرى مهمة كالوقاية والتغذية العلاجية وعلاج المرضى عن بعد نظرا لتعذر احتجازهم فى المستشفيات وتوفير كل ما يحتاجونه من رعاية فى منازلهم.
بدا لنا الأمر غريبا فى الساعات الأولى: عدد المقاعد محدود فى القاعات والتباعد سمة أساسية أثناء حضور الجلسات والالتزام واضح بارتداء الكمامات، والمناقشات تدور عبر الشاشات لكن دقة التنظيم ورغبة الجميع البادية فى التعاون لتسيير دفة الأمور فى الاتجاه السليم كانت الدافع القوى بسريان روح الثقة التى معها سارت الأمور كأفضل ما يكون ونجح المؤتمر فى أن يتبنى تلك المعايير الجديدة لمواجهة تداعيات الجائحة والعمل بكفاءة فى مواجهة ظروف استثنائية وزمن صعب.
رسالة مجدى يعقوب المصرى العظيم جاءتنا عبر الشاشة التى نقلت لنا صورته من مكتبه بلندن ،بدا بشوشا كعادته وهو يسأل: أى لغة أتحدث؟ كان ردى تحدث باللغة الأقرب إلى قلبك سيدى.. فكان أن بدأ باللغة العربية محييا أطباء القلب فى مصر مهنئا بنجاح المؤتمر ثم عمد إلى الإنجليزية ليصوغ تلك الرسالة الإنسانية البليغة التى أرى أنها بالفعل عنوان يلقى ظلا صادقا على حياة هذا الرجل الذى يعد علامة فارقة فى تاريخ العلم وجراحات القلب على مر السنين. كانت تلك رسالته المباشرة التى صاغها فى عبارة بليغة lesson learned:serving Humanity with humility.
والتى تشرح ببساطة فلسفته فى الحياة وتشير إلى طريقه الذى اتخذه بلا تردد منذ البداية: المريض إنسان بحاجة إلى طبيب يساعده بإخلاص وعلم وإنسانية ليعبر مضيق المرض.
واجب الطبيب أن يخلص فى عمله دونما النظر إلى أى مما يصف المريض أو يصنفه. المريض إنسان هذا كل ما يجب النظر إليه.
رسالة بلاشك بليغة يحتاجها العالم من إنسان صاحب تجربة عريضة فى مجالات العلم وخدمة البشرية.
كان لقاء مجدى يعقوب لنا بلاشك هو حسن الختام الذى أضفى على الجميع الكثير من مشاعر البهجة لنجاح المؤتمر والثقة فى أن النجاح لا يأتى صدفة إنما هو حصاد العمل الجاد.. استوعبنا الدرس الذى أراد لنا أن نتعلمه، لكننا أيضا أدركنا أن هناك رسالة أخرى تأتى منه للعالم.
ألا تتوقفوا عن أداء أدواركم فى الحياة بل عليكم أن تتعلموا كيف تتنفسون فى جو خانق.. وأن تبدعوا رغم ما يفرض عليكم من ظروف صعبة.. أن تسبحوا ضد التيار إن لزم الأمر. لكن عليكم أن تسقطوا كل ما صنعتموه بأنفسكم من ملامح تضفى صفات على إنسان وتحرم آخر منها.
فى زمن الكرب الذى تواترت فيه أنباء عن نظرية المؤامرة وضرورة الخلاص من البعض لصالح حياة البعض الآخر يدعو جراح القلب الأشهر المصرى الأصل إلى أن يتعاون البشر جميعهم من أجل حياة الانسان واستمرارية دوره على الأرض فى سلام.
رسالة إنسانية بليغة صوفية الملامح تستقى أصولها من نبع حضارى قديم قدم التاريخ مازال يتجدد رغم توالى المحن.. وسنوات الجفاف.