تحديات البابا القادم - أسامة سلامة - بوابة الشروق
الإثنين 9 سبتمبر 2024 7:22 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تحديات البابا القادم

نشر فى : الثلاثاء 20 مارس 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 20 مارس 2012 - 8:00 ص

(ما أشبه الليلة بالبارحة.. وكأن التاريخ يعيد نفسة، اعتلى البابا شنودة كرسى البابوية فى 14 نوفمبر 1971.. وقد سبقه بعام واحد رئيس جديد فى حكم مصر.. وبشهرين ويومين دستور جديد.. كان رجال الحكم السابق المقربين من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر فى سجن طرة بعد أن تخلص منهم السادات بضربة واحده فى 15 مايو من نفس العام أى قبل 6 شهور فقط من انتخاب البابا..

 

كانت مصر وقتئذ تحاول استعادة الكرامة.. وتعيد بناء القوات المسلحة بعد هزيمة 1967.. كان الجو السياسى ملبدا بالغيوم.. والطلاب ثائرون ومظاهراتهم قبل انتخاب البابا وبعده تملأ ميدان التحرير مطالبين بالحرب ورافضين تباطؤ الرئيس السادات فى إعلان الحرب على اسرائيل وهو ما تحقق فى 1973)..

 

(البطريرك القادم سياتى أيضا متزامنا مع انتخاب رئيس جديد. ووضع دستور جديد.. ووجود رجال العهد البائد ورموز نظام مبارك فى سجن طرة. وسيأتى أيضا ومصر تحاول العبور إلى مستقبل جديد.

 

والخروج من نفق مظلم عاشت فيه سنوات طويلة.. وتحاول أيضا إعادة بناء مؤسسات الدولة وعلى رأسها وزارة الداخلية وسط أيضا مناخ  ضبابى.. ومظاهرات متكررة فى ميدان التحرير لأن المجلس العسكرى الذى تولى السلطة مؤقتا بعد تنحى مبارك تباطأ فى تلبية وتنفيذ مطالب الثوار.

 

(المشهد أيضا يتكرر فى جوانب أخرى فقد بدأ بعد تولى البابا شنودة بقليل صعود التيارات الدينية الإسلامية عندما أفرج السادات عن الإخوان المسلمين وأخرجهم من المعتقلات والسجون.. ثم سمح لهم ولتيارات إسلامية أخرى بأقتحام الجامعات واستعمال القوة الإسلامية فى ضرب اليسار المصرى وبعدها بدأ تنامى هذه التيارات حتى فرضت سطوتها على الجامعات وازداد الأمر بالاعتداء على الأقباط ثم مواجهة الدولة نفسها والتى وصلت إلى اغتيال السادات نفسه.

 

(أما البابا المنتظر فسيجد نفسه منذ اللحظه الأولى أمام صعود إسلامى تحقق جزء كبير منه بالفعل فقد حصل الإخوان والسلفيون.. والجماعات الإسلامية بعد تكوينها أحزاب سياسية على نصيب الاسد فى البرلمان وربما يشكلون الحكومة قريبا.. ومن المحتمل أن يصبح رئيس الدولة ذو خلفيه إسلامية سياسية.

 

(مشهد تولى البابا شنودة يكاد يتكرر مع البابا القادم ورغم التشابه الواضح فى الشكل إلا أن الظروف والتحديات مختلفة على مستوى الدولة والكنيسة معا.

 

(جاء البابا شنودة عقب رحيل البابا كيرلس الذى كان الأقباط يتباركون به ويعدونه قديسا.. وكان حوله عدد من الشخصيات اللامعة والتى تتمتع كل منها بجاذبية خاصة وقدرات مختلفة وحول كل منهم مريدون كثر.. كان هناك الأنبا متى المسكين والأنبا صموئيل أسقف الخدمات.. والأنبا غرغوريوس أسقف البحث العلمى.. والأنبا شنودة أسقف التعليم.. وكانت هذه الشخصيات تمثل مدارس فكرية كنسية مختلفه مثل مدرسة جزيرة بدران بشبرا ومدارس الأحد.. وبيت التكريس بالجيزة كان هؤلاء يمثلون الجيل الأول من الرهبان الجامعيين.. الراغب فى تطوير الكنيسة..مما جعل الشباب المسيحى يلتف حولهم ولكن البابا المرتقب يأتى وقد خفت دور المدارس الفكرية المسيحية ولم يبق إلا مدرسة البابا شنودة فقط.

 

واختفت من حول البطريرك الشخصيات الكاريزمية المعلمة حقيقة يوجد أساقفة يتمتعون بقبول شعبى إلا أن بريقهم يخفت تماما أمام البابا شنودة.. ومن هنا يأتى التحدى الأول هل يستطيع البابا الجديد أن يكون له نفس حضور وتاثير وقوة شخصية البابا شنودة هل يمكن أن يكون مقنع لملايين الأقباط والمسلمين معا وأنه قادر على قيادة الكنيسة فى هذا الوقت الصعب وأنه سيحافظ عليها وسط الأمواج العاتية مثلما فعل البابا شنودة طوال 41 عاما.. وهل يستطيع أن يقيم التوازن الدقيق فى العلاقة مع النظام دون أن تتماهى الكنيسة فيه أو تبتعد وتعتزل عنه.

 

التحدى الأكبر أمام البابا القادم أن يكون قادرا على إقناع الأقباط بأنه لن يقل شموخا عن البابا شنودة ولا أقل قدرة على معالجة مشكلات الأقباط والتى زادت كثيرا فى الفترة الأخيرة.. حتى ولو لم يتمتع بكاريزما البابا شنودة. فإنه قادر على الحفاظ على حقوق الأقباط.

 

 

التحدى الثانى:

 

هو ماذا سيفعل مع تيارات الإسلام السياسى الصاعده بقوة.. واختلاف الظرف السياسى هنا.

 

إن البابا شنودة لم يكن مضطرا للتعامل المباشر مع هذه التيارات.. فلم تكن «الإخوان المسلمون» جماعة شرعية ولا حزبا سياسيا وكان يطلق عليها الجماعة المحظورة..

 

وكان السلفيون مختبئون لا يعملون بالسياسة.. وكانت الجماعة الإسلامية تحمل السلاح فى وجه الحكومة والأقباط معا ثم دخلوا بعد ذلك السجون ولسنوات غير قليلة وبالتالى كان أقصى تعامل أن يلتقى مثقفون علمانيون أقباط بمباركة الكنيسة فى أغلب الأحيان مع عدد من أعضاء الإخوان المسلمين.. الآن البابا المنتظر ليس أمامه مفر من التعامل المباشر مع الإخوان والسلفيين والجماعات الإسلامية أصحاب الأغلبية فى البرلمان.. وربما تشكلت الحكومة منهم وقد يصل مرشح ذو مرجعية إسلامية إلى رئاسة الجمهورية فكيف سيكون التعامل.. خصوصا أنه لم تكن هناك لقاءات سابقة باستثناء الحدث الأخير عندما زار مرشد الإخوان البابا شنودة فى مرضة الأخير..

 

هل يترك البابا التعامل مع أجهزة الدولة للنخبة القبطية المدنية بعد أن كان الأساقفة يتولون هذا الأمر بأنفسهم خلال الأزمات أم يستمر نهج البابا شنودة فى التعامل المباشر بين الكنيسة والدولة.. وكلا الاسلوبين له مخاطره.

 

 

التحدى الثالث:

 

قد يجد البطريرك الجديد نفسه فى مواجهة دستور إسلامى وحتى إذا كان البعض يستبعد ذلك الأمر لكن سيطرة التيارات الإسلامية على لجنة إعداد الدستور تضعنا أمام هذا الافتراض وبقوة.. البابا شنودة عندما تولى لم يجد حرجا فى دستور 1971 الذى صدر قبل وصوله إلى كرسى البابوية والذى نص على: «إن الإسلام دين الدولة واللغة العربية هى اللغه الرسمية والشريعة الإسلامية هى مصدر رئيسى للتشريع».

 

فيما بعد تم تعديل النص عام 1980 إلى «الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع».

 

ولم يكن النص الجديد يثير مخاوف الأقباط وقتئذ فى ظل وجود نظام يهيمن على الحياة السياسية ويفرض إرادته على الجميع ولكن فى ظل سيطرة تيارات الإسلام السياسى لا أحد يعرف كيف ستسير الأمور.. فى ظل كلام يردده البعض عن الجزية لقد قدم أحد أعضاء مجلس الشعب مؤخرا مشروع قانون بطبيق حد الحرابة حقيقة الآن لم تتم الاستجابة له ولكن من يعرف ماذا تخبئ الأيام القادمة..

 

لقد واجهت الكنيسة فى آواخر السبعينيات وتصدت لإصدار مجلس الشعب قانون الردة وتراجع السادات عنه بعد معارضة كنسية قوية وتضامن معها عدد غير قليل من التيارات السياسية فماذا لو عاد هذا القانون؟

 

 

التحدى الرابع:

 

هل يستطيع البابا الـ118 أن يستوعب الجيل الجديد من الشباب القبطى والذى بدأ التمرد على قيادات الكنيسة فى نهاية عهد البابا شنودة وتمثل ذلك فى مشاركتهم فى مظاهرات ميدان التحرير رغم توجيهات وتعليمات الكنيسة بعدم المشاركة.. ثم عدم انصياع شباب ماسبيرو لطلب عدد من الأساقفة بإنهاء اعتصامهم الشهير.. هؤلاء الشباب تمردوا على السلطة البابوية.. وقد يجد البطريرك نفسة فى مواجهتهم.. ومن المؤكد أن الأمر يحتاج إلى قدرة على التأثير والاقناع خصوصا فى ظل حماسهم الزائد أحيانا فى الدفاع عن القضايا القبطية والتى قد تسبب توترا فى العلاقة مع الحكومة والرئيس الجديد.

 

 

التحدى الخامس:

 

كيف يمكن أن يكون قائدا روحيا دون أن يكون زعيما سياسيا..

 

وهو أمر لابد أن يكون فى ظل وجود أحزاب وتعددية سياسية.. ولكن فى نفس الوقت عدد غير قليل من الأقباط خائفون من الصعود السياسى للإسلامين وربما يدفعهم هذا إلى الانزواء داخل الكنيسة والنظر إلى البابا كمخلص وقائد يدافع عن حقوقهم.. خصوصا أن الأحزاب السياسية الجديدة والقديمة غير قادرة حتى الآن على جزب الشباب للانضمام لها.

 

 

التحدى السادس:

 

أقباط المهجر والذين سيكون لهم دور كبير فى أداء الكنيسة بما يملكونة من أموال وعلاقات خارجية وكثيرا ما قامت قلة منهم بتصرفات كادت تخلق أزمة مع النظام السابق لولا حكمة البابا شنودة وقدرتة على صياغة علاقة شعرة معاوية التى لا تقطع أبدا.

 

هم أبناء الكنيسة ولكنهم يتصرفون بوحى من أنفسهم وبتأثير وجودهم فى الغرب.. هؤلاء قد يثيرون أزمات مع الحكومة القادمة خاصة لو كانت إسلامية.. وقد لا يكون رد فعل الحكومة هو الطناش مثلما كان يفعل مبارك وهنا يكون على البابا مواجهة هذه الأفعال بشىء من الحذر والحكمة..

 

 

التحدى السابع:

 

هو أن يكون له دور عالمى مثل البابا شنودة والذى كان له حضور قوى لم يستمده فقط من منصبة الدينى ولكن من خلال قدراته وسماتة الخاصة..

 

 

التحدى الثامن:

 

الموقف من القضية الفلسطينية وهل يستمر العالم فى قرار منع سفر الأقباط إلى القدس رغم محاولات البعض إلغاء هذا القرار أيام البابا شنودة وإذا استجاب لهم.. كيف سيكون رد الفعل خصوصا أن جزءا من شعبية البابا شنودة هو موقفة المناهض لإسرائيل؟

 

 

التحدى التاسع:

 

هل يلتقى أسبوعيا مع شعب الكنيسة مثل البابا شنودة وكيف يتعامل مع قضية الطلاق والتى تزداد حدة.. وهل سيعود للعمل بلائحة 1938 التى تعطى أسبابا للطلاق أم يستمر فى نهج البابا شنودة الرافض للطلاق إلا لعلة الزنى؟

 

تحديات كثيرة تواجة البابا القادم لأنه يأتى فى ظل ظروف سياسية وكنسية مختلفة ولأنه يأتى بعد شخصية لا تتكرر كثيرا وسيقول التاريخ ما قبل البابا شنودة وما بعده ولكن الكنيسة قادرة على مواجهة أى أزمات.

 

وقد عبرت على مر العصور أزمات كثيرة.. وظلت باقيه وستظل تؤدى دورها الوطنى سواء كان قائدها له توهج البابا شنودة أم لا..فتوجهها الوطنى ثابت على مر تاريخها مهما اختلفت الوجوه.

التعليقات