من التنظيم وإلى التنظيم يعود.
هكذا كانت دورة حياة الرئيس مرسى فى العام الأخير، انطلقت من كونه عضوا فى تنظيم، يسعى أن يكون رئيسا لمصر ولكل المصريين، وانتهت بفشل حقيقى فى ذلك، جعله جالسا على كرسى المفترض أنه يمثل به كل المصريين لكن الحقيقة أن واقع هذا التمثيل تضاءل يوما وراء يوم حتى انتهى الأمر به وسط أبناء تنظيمه وبعض المؤلفة قلوبهم.
إذا كنت لا تصدقنى تدبر بموضوعية صورة الرئيس الفائز بانتخابات الرئاسة يخطب فى ميدان التحرير، وصورة الرئيس المرتبك قبل أيام من نهاية عامه الأول يخطب بين أهله وعشيرته.
البداية كان الرجل مطروحا كرئيس لكل المصريين، صورته فى فندق فيرمونت وحوله كل أطياف السياسة المصرية ترجح ذلك، شكل ميدان التحرير يوم خطبته الأولى، فرحة شباب الثورة به، ترحيب القوى السياسية المختلفة من شركاء الثورة، مشهد الحضور فى الميدان، الملتحى وغير الملتحى، المنتقبة والمحجبة والكاشفة، الإسلامى والليبرالى واليسارى، لكن الرئيس ضرب كل هذه الصورة سريعا، مارس كل السياسات المنفرة التى فضت الناس من حوله، من بقى من شركاء فيرمونت لا أحد، ومن حضر اجتماع الصالة المغطاة من أولئك الحالمين برئيس الثورة فى ميدان التحرير.
الرئيس الذى خرج فى اعقاب إصدار إعلانه الدستورى القاسم للبلاد ليخطب أمام قصر الاتحادية فى أهله وعشيرته، انسحب تدريجيا من فضاء الوطن ومواطنيه، إلى حدود التنظيم وأعضائه والمتعاطفين معه، وكان ظهوره فى الصالة المغطاة هو الإعلان النهائى عن هذا الانسحاب من الوطن.
فى لحظة تقييم صادقة مع النفس انتهى الرئيس مرسى إلى أنه لا يملك إلا التنظيم، عرف وقدر ما تسرب من تحت يديه بسبب قراراته وسياساته وتنفيذه للمحاولات الاحتكارية التى تمارسها جماعته للسيطرة المطلقة على الدولة، هو فى النهاية يملك ولاءً منقطع النظير للتنظيم، ويعتقد أن المصلحة الوطنية هى ما يعتقده التنظيم وما يريده التنظيم، وبالتالى ظهر فى الصالة المغطاة بين جمهوره الحقيقى وبين مناصريه الحقيقيين، وبين رافد دعمه الوحيد.
العقلاء فى جماعة الإخوان ربما تلهمهم هذه المقارنة بين صورة الرئيس فى ميدان التحرير مطلع حكمه وصورته فى الصالة المغطاة لتفهم الأخطاء الفادحة التى وقعت فيها جماعتهم والرئيس الخارج من رحمها.
بحسابات بسيطة تستطيع أن تدرك أن يوم 30 يونيو لن يكون يوما عاديا على الأقل، مساحة تأييد الرئيس تتقلص تماما وتعود إلى منطقتها الطبيعية والبديهية التى بدأ بها مشواره للترشح للرئاسة.
ما معنى ذلك؟
معناه أن الرئيس فشل تماما فى خلع عباءة التنظيم، وفشل تماما فى أن يكون رئيسا لكل المصريين، وفشل تماما فى أن يكتسب مساحة تأييد إضافية فى المجتمع، وبدد ما منحه له القدر من تأييد الأطراف الأخرى فى ظل معضلة الاختيار البائسة بينه وبين شفيق فى انتخابات الرئاسة. دخل عضوا فى الجماعة وانتهى عضوا فى الجماعة، يدفع ثمن ذلك الآن، فيما تدفع الجماعة أيضا فاتورة فشله، بمواجهة مع المجتمع كله بمكوناته المختلفة.
الرئيس يعود من حيث جاء، وهذا معناه أنه لم يقطع خطوة واحدة للأمام. حتى لقب الرئيس السابق ربما يسقط سهوا من صفحات التاريخ.