حلاق من جهة أمنية - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 10:09 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حلاق من جهة أمنية

نشر فى : الأحد 19 يونيو 2016 - 9:30 م | آخر تحديث : الأحد 19 يونيو 2016 - 9:30 م
طارق أ. ف. يعمل حلاقا فى جهة مهمة يقال عنها مرة إنها سيادية ومرة إنها عليا ومرة إنها أمنية. هذا الرجل كان يمر فى كمين أمنى بمنطقة نايف عماد فى دائرة قسم ثان طنطا قبل ثلاثة أيام. ضابط شرطة برتبة نقيب هو محمد. ع. طلب من الحلاق إثبات الشخصية، لكن الأخير رفض، تطور الأمر، ودخل الحلاق والضابط فى مشاجرة تبادلا فيها اللكمات، مما أدى إلى إصابة الضابط بكسر فى أنفه، ونقله إلى المستشفى. النيابة تولت التحقيق وتم إخلاء سبيل الحلاق بكفالة قدرها ألف جنيه فى حين تم إخلاء سبيل نقيب الشرطة بضمان وظيفته، وذلك بعد تحقيقات استمرت أربع ساعات متواصلة. هذا هو مضمون الخبر المنشور أمس فى العديد من الصحف والمواقع الإخبارية.

فى تقديرى المتواضع فإن هذا الحادث يكشف عن حجم المأساة التى وصل إليها المجتمع، والمتعلقة بنقطة جوهرية خلاصتها التراجع المريع فى القيم بحيث إن غالبية الناس صارت ترى نفسها فوق القانون.

لا أعرف بطبيعة الحال حقيقة ما حدث فى هذه المشاجرة تحديدا، وبالتالى يصعب أن نحكم من هو المذنب ومن هو البرىء وننتظر تحقيقات النيابة حتى نعرف الحقيقة.

لكن سوف أجتهد فى السطور التالية لتصور ما حدث. وأغلب الظن وطبقا للطريقة المصرية الأصيلة فإن الحلاق واعتمادا على الجهة التى يعمل بها، قد تحدث بطريقة لم يتعود عليها الضابط. هنا وقع الخلاف وبدأت المشاجرة. ويمكن تخيل أن الحلاق قال للضابط أشهر جملة تتردد فى مصر وهى: «انت مش عارف بتكلم مين»؟!.

ضباط الشرطة يقعون فى أخطاء عديدة، لكن أشعر بتعاطف كبير مع بعض الضباط الذين يؤدون أعمالهم خصوصا وهم يقفون فى الكمائن ليلا ثم يتفاجأون بكل من هب ودب يقول لهم هذه الجملة السابقة الشهيرة أو مترادفاتها مثل «انت مش عارف أنا مين أو ابن مين» أو «طيب هتشوف اللى هيحصلك» أو «هاكلم بابى وهيفصلك»؟!

فى هذه اللحظة فإن ضابط أو جندى الشرطة يصاب بإحباط شديد والأسوأ أنه إذا كان أمينا ويريد أن يؤدى عمله على أكمل وجه، فإنه يتفاجأ برتبة أعلى تطلب منه أن يتسامح ويعفو ويطنش لأن «البيه الصغير ابن فلان بيه الكبير». وهكذا تتم الطرمخة على عديد من المخالفات، ويتعزز فى الوعى العام للضباط والأمناء والجنود، أن القانون يطبق فقط على «الغلبان والمسكين وابن السبيل»!

الحادثة الأخيرة ليست فريدة من نوعها، هى تحدث كل يوم تقريبا، لكنها لا تصل إلى الإعلام الذى ركز على حادثة طنطا لطرافة عنوانها الذى ربما يتشابه مع الفيلم الكوميدى للمبدعين عادل إمام وشريف منير ولبلبة وحلا شيحة «عريس من جهة أمنية».

وحتى نكون واضحين فإن هذه القصص والحكاوى والأساطير سوف تستمر، حتى تتمكن الدولة من تطبيق القانون على الجميع، على الوزير والغفير من دون تفرقة. عندما يتم معاملة الجميع سواسية فى أقسام الشرطة والسجل المدنى والجوازات والمكاتب الحكومية المختلفة خصوصا الخدمية. سوف ينصلح حالنا، لكن مادام فلان يحصل على رخصة قيادة من دون أن يعرف القيادة وهو نائم فى سرير بيته، ومادام فلان يلحق ابنه بهذه الكلية أو تلك، أو يحصل على شقة أو قطعة أرض بالمخالفة للقانون، فلن نتقدم بل سوف نستمر فى التراجع.

المأساة أن غالبية الناس صارت تعتقد أنها مسنودة، وأنه ينبغى معاملتها باعتبارها فوق القانون، رغم أن هؤلاء جميعا يلومون الحكومة على محاباة البعض ومخالفة القانون!!!!.
عماد الدين حسين  كاتب صحفي