أتطلع لرؤية النص النهائى لقانون الغدر، الذى انتهى منه مجلس الوزراء، وتم رفعه إلى المجلس العسكرى لإقراره، على الأقل لأطالع الإبداع القانونى الجديد لـ«ترزية» المرحلة الانتقالية، وقدرتهم على تفصيل النصوص القانونية على مقاس المرحلة ومتطلباتها.
لكل عصر ترزيته، سيبقى ذلك واضحا ومنطقيا، فلا تصاغ القوانين إلا لتلبية حاجات مجتمعية يحدد اتجاهاتها ذوو النفوذ وأصحاب القرار، وما أقوله لك الآن ليس مجرد تحليل بقدر ما هو معلومات من داخل مجلس الوزراء، عن مرحلة ما قبل إقرار القانون فى المجلس والتى طغت عليها مناقشات كثيرة محددة بأشخاص بعينهم.
ربما جرى تجريب القانون نظريا داخل اللجنة التى أعدته، فمثلا يطرح اسم فلان ويقول عضو اللجنة لو جاء النص القانونى هكذا هل ينطبق على فلان، وإذا كان فلان هذا من رجال المرحلة أو من أولئك الذين نجحوا فى إبرام تفاهمات غير مكتوبة مع النظام المؤقت يتم تعديل النص، كما كان مهندسو التنظيم سابقا يعدلون مسارات الطرق والمشروعات المحلية حتى تتجاوز منازل أو أراضى أو مصالح أناس بعينهم دفعوا من أجل هذا التجاوز أموالا أو خدمات.
لديك فى هذا القانون نص يعاقب أى مسئول بسبب إساءة استغلال السلطة، وانتفاعه أو أقاربه أو معارفه من منصبه، وهو نص لا أعرف إن كان قد جرى تعديله لأننى لا أتوقع إلغاءه باعتباره جزءا من جوهر هذا القانون، وهو نص يكفى لمحاسبة كل وزراء عهد مبارك مرورا بكل برلمانيى عهده وأعضاء المجالس المحلية فى عهده، وكذلك الكثير من معارضيه الذين صنعهم بيديه.
أنت أمام قانون سيطول أولا عددا هائلا من القضاة تدخلوا على الأقل بحكم وظائفهم من أجل تعيين أبنائهم وأقاربهم فى وظائف قضائية، وعدد هائل من النواب المعارضين الذى مارسوا «الوساطة» المباشرة للحصول على منافع وظيفية أو مادية أو خدمية لهم أو لذويهم، إلى جانب عدد هائل من أعضاء الحزب الوطنى الذين نالوا مقاعد بـ«التزوير» فى مجلس الشعب أو الشورى أو المجالس المحلية، وأيضا المفترض أن ينطبق على عدد كبير أيضا من أعضاء الحزب الوطنى الذين تواءموا مع الثورة، إما بتأييد صريح ومبكر لها أو بانخراط فى العمل على أهدافها كما فى حالة عصام شرف نفسه وعدد من وزرائه، إلا إذا كان قد تم تعريج مسار طريق القانون بعيدا عنهم بتعديل قانونى يقيس مستوى العضوية داخل الحزب الوطنى، ويمنح صك وطنية لبعض الأعضاء وصك فساد للبعض الآخر.
أيضا هناك فى أحزاب المعارضة قيادات كانوا أكثر ارتباطا بالحزب الوطنى وأجهزته الأمنية من أصحاب الكارنيهات، وحصلوا كذلك بحكم مواقعهم فى المعارضة على امتيازات تجارية ووظيفية واستثمارية كذلك، ولا أعتقد أن قانون شرف لم يجد لهم تخريجة استثنائية.
كل ما أخشاه أن ينفجر القانون فى وجه المجتمع وأن يزيد مزيدا من الاحتقان والالتهاب للشارع، ليس لأننى لا أرغب فى تطهير البلد ممن أفسد وأساء، ولكن لأنى لا أثق فى ألا يكون القانون قد تعرض لـ«السلق» مثل كل إجراءات حكومتى شرف «زمن يحيى الجمل وزمن على السلمى»، وأن يخرج القانون متوسعا فى الاستهداف من ناحية لشريحة كبيرة مغضوب عليها، ومتوسعا فى الاستثناء كذلك لشريحة قليلة مرضى عنها.
كنت أفضل «عزلا سياسيا» لكل هؤلاء بمن فيهم أولئك «الصالحون» الذين عليهم دفع ثمن أخلاقى لانحيازاتهم، واصطياد المتهمين بالفساد والإفساد أمام جهات التحقيق والقضاء الطبيعية.. بدلا من قانون استثنائى أثق أن تطبيقه سيصاحبه كثير من التمييز، والغدر بقانون الغدر...!