قراءة متأنية لآخر تصريحات وزارة الصحة تقودك إلى نتيجة تضاعف من إحباطك. مازال الأمر كما عليه تصريحات لوسائل الإعلام لها بريق لحظى قد يصور للناس أن التغيير قادم بينما التفاصيل لا يعرفها إلا من كانت أيديهم فى العجين وفقا لأحد الأمثلة الفرنسية المعروفة.
كتبت «الشروق» فى صفحتها الأولى 14/9 أن وزارة الصحة ستتحمل علاج الطوارئ بالمستشفيات أول أربع وعشرين ساعة وأن جميع المستشفيات ملزمة بتقديم الوسائل العلاجية الكفيلة بالحفاظ على حياة المرضى فى تلك الساعات الأولى من الإصابة بعدها يتم دراسة حالتهم ومعرفة إمكانية تحويل المريض إلى العلاج المجانى أو نفقة الدولة أو التأمين الصحى وأنه سيخصص كود علاجى لكل مرض على أساس تقييم التكلفة التى ستسددها وزارة الصحة وأن المستشفيات الخاصة سيتم إدراجها لاحقا فى هذا النظام الجديد، أما نهاية الخبر فتؤكد أن الصحة تقوم حاليا بدراسة كيف يمكنها تغطية هذه النفقات.
صرحت وزارة الصحة ببدء تطبيق نظام لم تنته من دراسته بعد ولا تملك تدبير النفقات اللازمة لتغطية تكلفته الفعلية هل فهم أحدكم شيئا؟
الواقع أن هناك قرارا سابقا يلزم جميع المستشفيات العامة والجامعية والخاصة باستقبال حالات الحوادث والطوارئ وعلاجها مجانا فى الأربع وعشرين ساعة الأولى ثم تحويل المريض وفقا لحالته إلى أى مكان آخر ويضمن علاجه حقا كانت المستشفيات الخاصة تتقاعس عن هذا الواجب لكن بعضها كان يقبل ما هو الجديد إذن الذى يدفع وزارة الصحة لتحمل تلك النفقات؟ إذا ما توافرت لوزارة الصحة موارد جديدة فجأة فلم لا تدفع بها لدعم أحوال المستشفيات المتردية؟ ولم لا تدفع ديونها للمستشفيات التى تقدم خدمات خاصة للمواطنين كمعهد القلب القومى الذى يستجدى شركات الأدوية بعد أن فرغت صيدليته من أدوية مهمة كمضادات التجلط والبنسلين واللاذكس وكلها أدوية متواضعة التكلفة إذا قيست بأهميتها لحياة المريض.
هل تسدد الصحة فواتير خيالية للمستشفيات الخاصة بينما مستشفياتها التى تقدم خدمة حقيقية للناس تعانى تردى الأحوال وتراكم الديون وقلة الموارد؟ أعتقد أنه من الأفضل أن أظل على اعتقادى بأن هذا مجرد تصريح فارغ المحتوى لإدارة تفتقد الرؤية ولا تقوى على النفاذ إلى التحديات الحقيقية التى يجب مواجهتها. قضايا الصحة فى بلادنا واضحة وملفاتها كاملة التفاصيل وهناك العديد من تجارب سابقة لبلاد كان لها معاناتها مع الفساد وحققت نجاحات تدعو للاحترام حينما دخلت معه فى معارك مباشرة انتهت بانتصارها عليه وانحيازها للناس.
معركتنا مع الفساد ولا أظنها معركة تجدى فيها التصريحات من تلك العينة التى يعلو فيها الدخان بلا نار.